أدري أن هذه العبارة تطلق بعد زفرة انتظار طويل وممض، بل وممل أيضا.
وأخيرا، سيجري التعديل اليوم، أو هكذا ترجح المصادر التي توصف بأنها "عليمة".
فهل يعقل أن ينشغل الناس بالتعديل الوزاري منذ أكثر من أربعة شهور. وهل من مصلحة الدولة أن يتعطل الأداء الحكومي أو يكاد بانتظار رياح التغيير التي تهب على المقاعد الوزارية الوثيرة التي غدت طيلة الفترة السابقة مثل صفيح ساخن، بل وحارق؟
ومع أن الوزراء الجدد الداخلين للحكومة من أصحاب الخبرة والكفاءة والرؤية التحديثية، إلا أن التأخير في إجراء التعديل حتى اليوم لم يكن بسبب العكوف على انتقائهم والوقوف على براعة مهاراتهم ونصاعة أدائهم.
مبروك للداخلين الجدد، وكذلك لمن بقوا وحازوا على ثقة الملك ورئيس وزرائه. ونرجو ألا يذهب انتظارنا سدى، فتتبدد آمالنا ونعود القهقرى إلى حلبة التكهنات وبورصة الأسماء التي ستدخل في التعديل أو التغيير اللاحقين.
المهم الآن بعد أن انجلى غبار الترجيحات التي انهمكت فيها الصحف والمواقع الإلكترونية أن يشمر الوزراء الجدد والقدامى عن سواعدهم ويهبّوا إلى العمل. ومن الأجدى ألا يهدروا وقتا مزيدا في تقبّل التهاني وتلبية الدعوات المناسفية وإحياء الحفلات. المطلوب الترشيد في كل شيء: في الإنفاق وفي المناسف وفي تأمل الصورة كيلا يلقى الواحد منهم مصير "نرسيس" الحزين.
المطلوب أيضا تعويض ما فات البلاد والعباد طيلة أربعة شهور ظل الناس فيها كحامل وردة اختار أن يمزق وريقاتها واحدة تلو الأخرى وهو يردد : "بتحبني.. ما بتحبني". ونأمل أن ينتصر الحب في النهاية ولا يموت الأبطال، كما دأبت على ذلك الأفلام الهندية والمسلسلات المصرية.
أما الآن وقد زال الترقب وانجلى اليقين، فإننا سنذهب باتجاه ترقب أكثر فاعلية وجدوى، أعني ترقب الإنجاز السريع الذي يلمس آثاره الناس، وبخاصة في الجانب الاقتصادي والمعاشي، وبما يبعث الطمأنينة في الأسواق وحقول المال والأعمال والاستثمار، فمخلفات زوابع الأزمة المالية العالمية وصلتنا، ولم ينفع إنكار المسؤولين أنها لن تصيبنا، كأنما كانوا يتخيلون أننا نعيش في جزيرة معزولة بسياج حديدي عن السياق الإقليمي والعالمي.
وفي المستوى نفسه من الأهمية، يتأهب الأردن للتعاطي مع المتغيرات السياسية الخارجية بآلية ديناميكية وخلاقة، لا سيما استحقاقات الانتخابات الإسرائيلية ووصول اليميني نتنياهو إلى سدة رئاسة الحكومة، مع ما يفرضه ذلك من تحديات صعبة تترافق مع الانقسام الفلسطيني الذي يعد مرآة لانقسام العرب إلى فسطاطيْن متنازعيْن.
الدبلوماسية الأردنية مطالبة بابتكار أدوات جديدة في التعامل مع معطيات التحول في السياسة الدولية، وتجنب التعامل بالعموميات وبالمنطق البروتوكولي. فثمة رئيس أميركي جديد، وانتخابات إيرانية منتصف العام وتحولات تصيب العالم وتزلزل يقينه، ما يستدعي أدوات في إدارة هذه الملفات ترقى إلى سخونتها وتقلباتها.
التغيير في بعض الحقائب الحكومية لدينا يتعين أن يستجيب لحمّى الإيقاع الهادر بين ظهرانينا في الداخل والخارج. بهذا يمكن أن نقنع أنفسنا بأن انتظارنا التعديل لم يبدده سوء الأداء وقلة الهمة واندلاع الخلافات بين الفريق الحكومي لا قدّر الله.
مبروك للداخلين في التعديل الذي طال انتظاره، وبخاصة للحاملين الجدد لقب "معالي". ومرحى للخارجين وهم يتهيأون لولوج استراحة المحاربين.
أما نحن المنتظرون والمرجحون والمتكهنون وأصدقاء المصادر العليمة، فآن لنا أن نتنفس الصعداء. فلقد كنا محاربين صناديد أفنينا الحروف في التحليل والترقب كرمى عيون التعديل العتيد.
m.barhouma@alghad.go
** الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الغد