تتميز السياسة الأردنية بأنها تنتمي إلى المدرسة المحافظة ، و التي لا تقوم بقفزات في الهواء و تسير بخطى تكاد تكون بطيئة و لكن واثقة في المسار السياسي لأنها تعلمت أن الإقليم الذي نعيش فيه يقوم على منطقة زلزالية سياسية شديدة الخطورة و أن الثوابت فيها قليلة جدا أو معدومة و المتغيرات هي الميزة الأكبر للإقليم ، و من هنا كانت السياسة الأردنية في كل الملفات مثيرة للجدل دائما على الصعيدين المحلي و الإقليمي ، غير أن الأسبوعين الاخيرين و بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل و قرر نقل سفارة بلاده إليها تغير الأداء السياسي للأردن كما تغير الأداء الملكي شكلا و مضمونا.
لقد قام الملك فورا و دون تأخير بزيارة إلى تركيا لمقابلة أردوغان و كان ذلك رسالة ذات مضامين و مغاز واضحة لبعض الدول العربية و لأمريكا أيضا ، و قد أدى ذلك إلى زيارة جلالته الى السعودية ، لتطويق ما يمكن أن تسفر عنه ردود الفعل الملكية بسبب التلكؤ الخليجي تجاه معاناة الأردن السياسية و الدبلوماسية و الاقتصادية و حتى النفسية ، مما قد يدفع القيادة الأردنية إلى التوجه إلى أقصى اليمين إذا اقتضى الأمر لأنه ليس أمام الملك إلا أن يتماهى مع تطلعات الشعب و مصالح الأردن التي باتت مهددة بصورة جدية من إسرائيل و أمريكا و من الأشقاء العرب أيضا ، و لذلك رأيناه فاعلا مؤثرا و منتجا في إدارة أزمة ترامب التي خلقها لنا كما كان متألقا في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي أيضا.
و الأردن يملك خيارات كثيرة و لديه أوراق رابحة لو أراد أن يستخدمها كثيرة و كثيرة جدا ، و نحن نعرفها و لسنا بها جاهلون كما يعرفها الصديق و الشقيق و الخصم و العدو ، و لأن الأردن كما أسلفنا في القول ينتمي إلى المدرسة الواقعية المحافظة في إدارة سياساته فإنه يتمهل قبل اتخاذ القرارات المصيرية الهامة ، لكن الأردن يعي انه قد يضطر إلى الانتقال من الحلف أو المحور الذي هو فيه و الذي بات محورا غير منتج و غير مقبول حتى من عامة الناس إلى المحور الجديد الذي تشكل و صار أمرا واقعا و هو المحور الروسي التركي الإيراني و هو المحور الأكثر أمانا و جدية و وفاء بين شركائه.
و في السياسة ليس هناك صداقات دائمة و لا عداوات دائمة و مصالح الدول هي التي تحدد مساراتها و توجهاتها ، و هدوء الملك الذي بيده دفة الملف الخارجي في السياسة الدولية الأردنية قد لا يعكس حقيقة الواقع الذي يعيشه الملك و صبر الملك قد ينفذ و يلجأ إلى الخيارات الأخرى و إلى لعب الأوراق الأردنية الرابحة ، و ربما على إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية و هما أحببناهما أم كرهناهما دولتان تعلمان أن الأردن يمكن أن يؤثر و بصورة جذرية في مصالحهما في المنطقة و يعلمان أن الملك يتمتع بمصداقية كبيرة لدى الأردنيين و بالتالي فإنه سيجد تأييدا شعبيا لا نظير له فيما إذا قرر أن يقلب ظهر المجن و يغير دفة السفينة باتجاه آخر و بالتالي فإن الوقت لم يفت بعد لكننا في الربع ساعة الأخير قبل أن يضطر الأردن أن يتخذ قرارات و يسلك خيارات أخرى لا يحبها الحلفاء و الأصدقاء.
الغطرسة الإسرائيلية تجاوزت كل الحدود و باتت لا تطاق ، و الساسة الإسرائيليون بمن فيهم رئيس الوزراء أقرب إلى الأطفال في تصرفاتهم منهم إلى الساسة ، و هم يكادون يرقصون طربا لقرار ترامب ، كما أنهم يظهرون سادية سياسية واضحة تجاه الفلسطينيين و يمارسون أقصى درجات التشفي و الشماتة لأنهم صاروا وحدهم تقريبا و قد نبذهم كما نبذ إخوة يوسف يوسفا و لم يتبق لهم إلا الأردن و ربما قطر و تركيا و البقية الباقية صارت تنظر إلى فلسطين كما تنظر إلى زيمبابوي أو موزمبيق .
الوقت يمر و مشاعر الفلسطينيين و العرب تتفاقم و تتراكم ضد الولايات المتحدة و إسرائيل ، كما أن الأردنيين لم يعودوا يعولون على الأشقاء في الخليج في أي دعم فقد عرفنا أننا لسنا على بالهم و لا يفكرون فيما قدمناه لهم و لا فيما كان يجب أن يقدموه و لم يقدموه و بالتالي فإن الدنيا دواره كما يقول إخواننا المصريون و سنخرج من عنق الزجاجة الذي نحن فيه بصورة أو بأخرى و سننظر إلى الأمور بصورة مختلفة تماما ، لأننا فوجئنا بأن من كنا نظنهم إخوتنا ليسوا كذلك.
قبل أن أغادر لا بد من دعم القيادة على كل صعيد دعما يتمثل بالنصح و العمل و الفعل البعيد عن النفاق و التملق فنحن بحاجة إلى أن نكون صفا واحدا في هذا الوطن لأنه " ماحك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك ".