القيادات الأكاديمية في الجامعات الاردنية: الى أين؟
أ. د. ماجد ابوزريق
14-12-2017 12:02 PM
كنت قد ترددت قليلا للكتابة في موضوع الحاكمية في مؤسسات التعليم العالي في هذا الظرف الحرج والذي تمر به الجامعات الاردنية وجامعتي الحبيبة على وجه التحديد كي لا يفسر كنوع من المحاباة أو التشفي معتمدا على زاوية الرؤيا لكل فريق فالأمر برمته من التعيين الى الاعفاء وتوابعهما يدعو للأسف. ولكني تسلحت بالشجاعة الكافية بعد ان انهيت اجتماعا للأساتذة في معهد ابحاث الاراضي الجافة في اليابان حيث اقضي اجازتي كأستاذ زائر في هذا البلد الذي يتمتع بفلسفة خاصة في الادارة ويبلغ انفاقه السنوي على البحث العلمي 180 بليون دولار مقابل 8 بليون ينفقها العرب جميعا. وكان على بنود الاجتماع اختيار او التمديد لرئيس المعهد للسنة القادمة والتي تبدأ في نيسان القادم.
ويتم اختيار القيادات الأكاديمية في اليابان بالانتخاب المباشر بعد ان يتم تزكيتهم من قبل عدد من الاساتذة رؤساء التخصصات العلمية في الجامعة. وقد تم توزيع تقرير من صفحة واحدة باللغة اليابانية لأستاذ مرموق بالمعهد يرشح به البروفسور "Yamanaka" لرئاسة المعهد متضمنا مبررات الترشيح مشفوعا بالأدلة. كما تم تحديد موعد للاقتراع الرسمي حيث يحق الاقتراع لكل من يحمل رتبة الاستاذية ويحق ايضا لرؤساء الوحدات الادارية " على سبيل المثال مدير المالية، شؤون العاملين و... في نظامنا الاداري" لان هؤلاء حسب رؤيتهم هم من سيعملون مع الرئيس بشكل مباشر ويساعدونه في تنفيذ مهامه. وكي لا أتهم بالانفصال عن الواقع فان هذه الطريقة الرائعة باختيار القيادات الاكاديمية ليست محصورة في اليابان بل انها متبعة في معظم بلدان العالم المتطور والثالث على حد سواء، وقد اطلعت على ذلك اثناء عملي في جامعات يابانية والمانية وبرتغالية وكندية وإيطالية والتشيلية وفي بلدان عربية مثل مصر والسودان ايضا.
وفي جميع هذه البلدان يتم فيها اختيار القيادات الاكاديمية بالاقتراع المباشر او غير المباشر او بالمشاركة في التقييم. ففي البرتغال مثلا تقوم الكليات العلمية بانتخاب مجالس لها ثم تقوم هذه المجالس باختيار عميد للكلية غالبا بالتوافق او بالاقتراع. ويتم اختيار رئيس الجامعة بطريقة الانتخاب غير المباشر ثم يعين بقرار رئاسي، حيث يتمتع رئيس الجامعة في البرتغال بشخصية اعتبارية عالية حيث انه في احتفالات الجامعة على سبيل المثال يجلس على كرسي مرتفع يفوق ارتفاعه كرسي رئيس الوزراء هناك. وقد شهدنا بالأردن أكاديميين ورؤساء جامعات يشار لهم بالبنان بنو جامعاتهم على اسس من الكفاءة والشفافية وتكافؤ الفرص فاين نحن الان من ذلك وقد تسول الأكاديميون مناصبهم.
وانا لا ادعو في مقالتي هذه الى التحول في اختيار القيادات الاكاديمية الى الانتخاب المباشر ولدي رؤية في هذا الموضوع كونتها من عملي في جامعات عالمية ونقاشات مع اساتذة من مختلف انحاء العالم فهناك ايضا محاذير وخصوصيات وطرق تفكير تنفرد بها المجتمعات، ولكني ادعو صراحة وبالخط العريض بانه قد ان الاوان لتغيير منهجية تعيين القيادات الاكاديمية في مؤسسات التعليم العالي او اعفائها وبانه لا يمكن ان يتم تعيين القيادات الاكاديمية او اعفائها بمعزل تام وكامل عن اراء الاكاديميين في المؤسسات التعليمية الاردنية.
وإذا ما تمعنا فيما حصل ولازال من استقطاب وتحشيد ومعارضة وتعليقات ومشاركات على الفضاء الواقعي ووسائل التواصل الاجتماعي على إثر اعفاء ثلاثة رؤساء جامعات من مناصبهم ندرك حجم المأساة التي وصلنا اليها بسبب الية اختيار او اعفاء القيادات الاكاديمية، والتي يشوبها الكثير من الاخطاء والمحاذير وقد ادت بلا شك الى هذه الحالة من الركود والياس والاستقطاب واللامبالاة في المجتمع الأكاديمي، وبالتالي العمل بالحد الادنى او السفر الى جامعات عالمية، لمن يستطيع، للخروج من اجواء الاستقطاب وتعظيم الإنجاز للأستاذ الجامعي.
فقد رافق تعيين رؤساء جامعات عديدة مؤخرا الكثير من اللغط والتساؤل حول ملائمتهم أصلا للقيادة وهل يملكون الصفات القيادية والخبرات الأكاديمية والإنسانية اللازمة لقيادة جامعاتهم. وتدور الكثير من الأحاديث حول مساهمة بعض الشخصيات العامة والأكاديمية المخضرمة في دفع وايصال قيادات أكاديمية شابة لا تتمتع بالخبرة والكفاءة الى مواقع صنع القرار ومن ثم اختطاف ارادتهم والتأثير على قراراتهم وأصبحنا نرى أكاديميين امتلأت ملفاتهم بالمخالفات الأكاديمية يصلون الى مواقع صنع القرار ثم يمارسون مخالفات تتعلق بجوهر عمل الجامعات في تعليم الطلبة ورصد علاماتهم، وكل هذا بمعزل تام عن راي المجتمع الجامعي المغيب تماما والمكبل عن ممارسة دورة في اختيار قياداته.
ومما يتطلب العمل الجاد لتعديل القوانين التي تحكم مؤسسات التعليم العالي في اردننا الحبيب ولكي نحافظ على صناعة التعليم العالي التي تفوقنا بها، هي الصلاحيات التي تتمتع بها القيادات الأكاديمية ورؤساء الجامعات على وجه التحديد. اذ ان رئيس الجامعة يتمتع بصلاحيات إدارية ومالية واسعة فهو يعين كافة اعضاء مجلس العمداء ورؤساء الأقسام ومدراء المراكز والوحدات الإدارية ويقيلهم دون ابداء الأسباب، وقد أدت هذه الصلاحيات في جامعاتنا الى تهميش الكثير من الكفاءات وتقريب قيادات غير مؤهلة بحكم الصداقة او القرابة او الولاء.
وان كانت هذه الصلاحيات ضرورية لرئيس الجامعة للقيام بمهامه ولكنها لا تعطى لشخص يعين بقرار من مجلس وانما لشخص شارك المجتمع الجامعي باختياره او تفضيله وبالتالي قبول قراراته. فقد قام أحد رؤساء الجامعات الرسمية عند تسلم مهامه بإقالة مجلس العمداء بكافة اعضاءه دون تقيم للأداء او محاسبة او مسائلة، مستغلا صلاحياته المخولة اليه بحكم القانون، في خطوة مثيره للجدل اثارت آنذاك موجة من الاحتجاجات والتذمر وأدت الى تدخل مجلس الأمناء للتقليل من اثار هذا القرار وتعديله، في سابقة أيضا مثيرة للجدل، ثم يعفى هذا الرئيس من قبل مجلس التعليم العالي صاحب الصلاحية في التعيين او الاعفاء في سابقة أيضا مثيرة للجدل، لا تليق بمنصب رئيس الجامعة بصفته الشخصية والاعتبارية، لتثير أيضا موجة من الاحتجاجات الطلابية والعشائرية في ظاهرة لم نشهدها من قبل ولا تليق بمؤسسات التعليم العالي الأردني ولا بإنجازاته المتراكمة.
وحتى لا تضيع فكرة هذا المقال في التفاصيل، فالأمر برمته كما اسلفت يدعو للأسف، فاني اعود واذكر بانه قد أن الأوان لإشراك المجتمع الجامعي في اتخاذ القرار بشأن رئيسة وقائدة حتى يتحمل أيضا جزء من المسؤولية وانه لا يمكن تعيين القيادات الأكاديمية في الجامعات الأردنية بمعزل تام عن اراء ومشاركة المجتمع الجامعي وان يتضمن قانون التعليم العالي والجامعات الأردنية مواد قانونيه تضمن لأساتذة الجامعات ومدراء الوحدات الإدارية المشاركة في اتخاذ القرار بشأن رئيسهم. كما يجب ان يتضمن القانون بعد ذلك مواد تضمن للرئيس اكمال مدته القانونية وتقييمه بعد انتهائها وان ينص القانون بشكل صريح ويحدد الأسباب التي يستطيع بها صاحب الصلاحية اعفاء الرئيس من مهامه. واجزم بان القائمين على سياسات التعليم العالي الأردني بما يتمتعون به من سمعة رصينة وخبرة عميقه ونزاه مشهود لها لقادرين على اخراج قانون متطور يضمن عمق الأداء ونزاهة التقييم ويتقدم بالتعليم الأردني ومؤسساته الى الأمام.
جامعة العلوم والتكنولوجيا/ حاليا استاذ زائر في اليابان