باستثناء الكلمة الطويلة وغير المألوفة للرئيس محمود عباس, فإن قمة اسطنبول لم تغادر المربع المألوف, الذي انتهجته القمم الاسلامية والعربية منذ عقود طويلة, فالاعتراف الاسلامي بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية امر حاصل, وكان المطلوب خطوات عملية لمحاصرة القرار الامريكي ومنع تعميمه او استنساخه من عواصم تالية, وذلك اضعف الايمان, فالجميع يدرك ان ادارة ترامب اكثر تطرفا من حكومة الكيان الصهيوني كما قال الرئيس عباس, الذي يمكنه ان ينهي حياته السياسية بعد هذا القرار بالاستقالة من رئاسة السلطة قبل التلويح بحلّها , واعادة الاعتبار الى منظمة التحرير الفلسطينية بتوسيع مظلتها وفصائلها .
سلفا كان محسوما بان القمم لن تدخل حيز التنفيذ ولن تغادر مربع الخطابة, وبالتالي فإن الحلول شعبية وعبر انتفاضة ثالثة بقيادة فلسطينية جديدة تبدأ حياتها من حيث نعي اتفاقات اوسلو, واغلاق باب الحوار مع الاطراف المتصهينة بنسختيها الامريكية واليمينية اليهودية, قبل ان تبلغ الانتفاضة الثالثة قمتها وقيمتها, وحينها يمكن تحديد الحلف الجديد لقيام الدولة الفلسطينية مع الدول التي تدعم الانتفاضة الفلسطينية وتمارس فعلا اجراءات عملية من شأنها محاصرة القرار الامريكي ورفع كلفة وجود اليمين على رأس الحكومة الصهيونية, فالمصالح التي تحكم المواقف وليس النوايا الطيبة والاشارات السياسية الرقيقة التي سمعها الرئيس عباس في قمة اسطنبول, التي بدأت منذ توجيه رقاع الدعوة بسقف قطع العلاقات وطرد السفير الصهيوني وانتهاء بعرض تاريخي يدعم العثمنة الجديدة المتأصلة في الرئيس اردوغان .
حسنة القمة الوحيدة ربما, كانت في ان الرئيس عباس رفع سقفه كثيرا واغلق الطريق على ذريعة عربية او اسلامية بالتراجع والتملص من بوابة ان اصحاب القضية باعوها او خذلوها فلماذا نتمترس نحن ؟ ولكن على عباس ان يبدأ فعليا في اجراءات عملية تبدأ بزيارة غزة لطي صفحة الانقسام واعلان دخول المصالحة حيز التنفيذ, فليس المطلوب منه ان يدخلها بعد حسم القضايا العالقة والتي تحتاج الى وقت والى اجراءات صعبة على طرفي الانقسام بحكم العقد الكامل من الانقسام ومخرجاته على ارض الواقع, فالقدس اكبر من حماس ومن فتح وبالطبع اكبر من السلطة الخالية من أي سلطة حسب اعتراف رئيس السلطة نفسه .
الشوارع العربية والشارع الاردني على وجه الخصوص لن يترك الانتفاضة الثالثة وحدها, وستضع الانظمة كلها امام واقع حال لا تستطيع ادارة الظهر له, بعد ان عرفت الشوارع العربية قيمة التواجد والحضور عليها, بل ربما تكون القدس هي من يعيد النقطة الفاصلة والحاسمة الى الربيع العربي بنسخته الاصيلة بعد ان تم التراجع عن كل مفرداته الاصيلة, فالنسخة الاولى من الربيع العربي كانت رمادا وربما خرابا اكثر, وهي بحاجة الى نسخة ثانية لتصويب مسارها واعادتها الى حقيقة نهجها المطالب بالحرية والعدالة والتنمية وهذا المثلث ان ساد في العالم العربي فستكون القدس وكل فلسطين بالف خير, فالربيع الجديد يجب ان يضع نصب عينيه الحفاظ على الدولة اولا وعدم الانجرار الى هدمها ومن ثم تصويب اختلالاتها بإعادة السلطة كخادم للشعب وللدولة وليست كمتغول على الشعب والدولة .
قمة اسطنبول تحمل في ثناياها طبيعة حلف واجب التشكل بين الاردن وتركيا ومنظمة التحرير الفلسطينية ومن يرغب من القوى العربية والاسلامية , حلف قائم على مفهوم وجذر حلف عدم الانحياز المؤود, حيث لا يمكن ان يبقى العالم الاسلامي والعربي مسكونا بقطبية واحدة وليس ممكنا اعادة ثنائية القطبية فالدب الروسي ما زال اقل من قطب واعلى من دولة ولكنه مسكون بحسابات معقدة لا تحتملها اللحظة العربية وان كانت لا تستطيع تجاوز روسيا وادارة الظهر لها.
الدستور
omarkallab@yahoo.com