لا صداع بعد اليوم، الإعلام والتأثير النائم
د. تيسير المشارقة
13-12-2017 12:47 PM
((كلما تكررت الرسالة ، تركت أثراً أعمق في العقل اللاواعي)). هذا ما تفترضه فيرا بايفر vera peiffer في كتابها "التفكير الإيجابي" positive thinking (مكتبة جرير، السعودية، ط8، 2011،ص11). ولهذا فإن تكرار الرسائل عبر وسائل الإعلام بشكل منتظم قد يترك أثراً بالغاً في العقل الباطن (اللاواعي). ومثال ذلك أن يكرر أبناء الشعب الفلسطيني القول لأنفسهم أنهم يقدرون على هزيمة إسرائيل وتحقيق النصر. فإن ذلك مع التكرار لأكثر من 5 مرات يرسّخ ذلك ويصبح الفلسطينيون قادرون على ابداع أدواتهم لتحقيق هذا الهدف.
كلما اشتد الخطب وزادت الصعاب وتعسّفت قوات الاحتلال، يستعيد الفلسطينيون ما ترسّخ في العقل الباطن وموروثهم النضالي المقاوم (الذي لم يتم تشويهه من العدو والقوى المضادة) لمقاومة الصعاب والاحتلال.
يكفي فقط أن نكرر الرسائل أكثر من مرة لتترسّخ أكثر في العقل اللاواعي. فالتأثير النائم يحدث بسبب تكرار الرسائل. ولهذا حذّر خبراء الإعلام من تكرار الرسائل الإعلامية عبر وسائل الاتصال بخصوص خيبة العرب وفشلهم وهزيمتهم. فذلك له أبلغ الأثر في العقل الباطن(اللاواعي) العربي مما يحدث اتجاهات سلبية لدى العربي، وبالتالي التفكير السلبي والمحبط دائماً.
قواعد التفكير الإيجابي تفترض أن يكرر العربي بلسانه وبصوت مرتفع لنفسه (وليس مطلوباً ذلك من الآخرين) أنه سينتصر وأنه قادر وأنه قوي وأنه لن ينهزم طول الوقت.. ليكون وقع ذلك لاحقا نافعاً في وضع الأهداف والعمل على تحقيقها.
إن رسوخ القناعة بالقدرات الخاصة للعربي في العقل الباطن، يمكن استرجاعها حين اللزوم من أجل التغلب على المواقف والصعاب والتحديّات.
في حقل الإعلان، عبر وسائل الإعلام، يحدث التكرار المتعمّد لمنتج معين. فمثلاً ، شعار أو جملة "لا صداع بعد اليوم" المرافقة لدواء(بانادول)، صارت مقنعة للمتلقي، وبسبب التكرار الواعي ورسوخ هذه العبارة في العقل الباطن صار لا يمكن الاستغناء عن حبوب (بانادول) لدحر الصداع من الرأس.
التكرار في الإعلان يُحدِث " التخدير"، والترسيب في العقل الباطن وبالتالي ما نطلق عليه "التأثير النائم" وهي نظرية تحدّث عنها مارشال ماكلوهان في كتابه الشهير "كيف نفهم وسائل الإعلام؟" في مطلع ستينات القرن الماضي. هذه النظرية من نظريات التأثير القوي الذي تُحْدثه وسائل الإعلام في الإنسان.
بالطبع إحداث التخدير وظيفة غير مقصودة من وظائف وسائل الإعلام، ولكن التخدير صار مطلوباً أحياناً لكي يلجأ الناس إلى الخنوع والسلبية وعدم الاكتراث. فمثلاً تكرار مشاهد بطش المحتل الإسرائيلي للفلسطينيين في الانتفاضات المتكررة أحدث تأثيراً سلبياً نائماً في العقل العربي. التخدير طال العقل الواعي واللاوعي معاً بأن إسرائيل "لا رادع لها". لكن، وبإظهار مشاهد مقاومة وتسخيف البطش الإسرائيلي ووضعه في دائرة السخرية، يجعل من احتمالية الرغبة بمقاومته واردة وممكنة. ويجعل العربي قادراً على التحدي إذا ما أُفسدت الصور المتكررة عبر وسائل الاتصال بالسخرية ، وبصور نقيضة ومغايرة.
النتيجة التي ينبغي أن يصل إليها العربي، وهي أنه ينبغي إبطال مفعول ترسيخ "العدو الذي لا يقهر" في العقل الباطن (اللاواعي) العربي، لأن هذه الصورة هي التي تخرج للذهن العربي في أوقات الحاجة كالأزمات والصراع.