بعد أن حدد القرآن العلاقة بين الإنسان وبين الارض والمال وأشار أن الأرض أرض الله والمال مال الله. وأن الانسان مستخلف على هذه الأرض وهذا المال (دعا الله تعالى في كثير من الآيات إلى الإنفاق في وجوه كثيرة ولعل أهمها ذوو القربى والوالدان وذوو الأرحام. يؤكد الخطاب القرآني أن المال الذي ينفقه المسلم أو يصرفه في أي اتجاه حلال ومشروع عُدَّ صدقة، وهو بالتالي شكل من أشكال العبادة والتقرب الى الله. وهكذا استجاب المسلم في التصدّق بأملاكه الخاصة على أقاربه، وجعلها حبساً لا تباع ولا توهب ولا تورث.

وينفق واردها على الذين أوقف عليهم المالك هذه الاراضي. وانطلاقاً من هذا واعتماداً عليه فقد ظهر نوع جديد من الملكيات الجماعية في الاسلام، هذا وقد أقرها الرسول (ص) ووافق عليها، ويذكر أن أبا طلحة الأنصاري، وكان من أكثر صحابة الرسول مالاً وعقاراً، جاء الى الرسول (ص) وعرض عليه أن يتصدق بأرض له يقال لها بيْرُحاء فقال : هي إلى الله وإلى الرسول، أرجو بّره وذخره، فضعها يا رسول الله حيث أراك، فرد عليه الرسول قائلاً: اجعلها في الأقربين، فتصدق بها على أقاربه والشيء نفسه حصل مع عمر بن الخطاب حينما جاء إلى رسول الله وأخبره أنه يريد أن يتصدق بأحسن أرض له لما سمع قوله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. فقال له رسول الله " حبَّس الأصل (الأرض) وسبَّل الثمر (تصدق بثمرها) . وقيل أنه تصدق بأرض يقال لها ثمغ في خيبر وهكـذا ارتبط التصدق بالعقار (الدور والأرضين) ، بحبسه ومنع بيعه أو توريثه، وهكذا أطلق العلماء على هذه الملكيات الجماعية بالصدقات المحبّسة أو الأحباس.

وتورد مصادرنا هذه الملكيات الجماعية بشكل واضح فيذكر أن أبا الدحداح الأنصاري تصدق في أيام الرسول بحائط له فيه ستمائة نخلة . ويرد أن خالد بن الوليد حبّس داره في المدينة المنورة على أقاربه لا تباع ولا توهب ولا تورث.

ويروى أن زيد بن ثابت حبس داره على ولده وولد ولده وعلى أعقابهم، لا تباع ولا توهب ولا تورث. وروى أنه تصدق بأرض له قرب المدينة (. وجاء أن صفية بنت حيي أشهدت على صدقتها أنها حبس لا تباع ولا توهب ولا تورث ويروي أحد أفراد جهينة ما نصه " أشهدني عقبة بن عامر الجهني على دار تصدق بها حبساً لا تباع ولا توهب ولا تورث على ولده وولد ولده ويقول أحد العلماء الأوائل : أنه شهد صدقة أم سلمة، زوجة الرسول (ص) صدقة حبساً لا تباع ولا توهب ولا تورث(. وقالت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص : صدقة أبي حبس لا تباع ولا تورث. ويذكر أن عروة بن الزبير بن العوام قال : أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه . ويذكر أن مسلمة بن مخلد جعل ارضاً له حبساً على قومه.

وقيل أن فاطمة بنت الرسول تصدقت بقرية أم العيال بين مكة والمدينة
وقيل كذلك أن الرسول تصدق بسوق مهروز بالمدينة على المسلمين. ويذكر أن علي بن أبي طالب تصدق بأراضٍ له. وقيل إن طلحـة بن عبد الله تصـدق على أمه بحديقة وقد حبَّس عثمان بن عفان والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله دورهم على أقاربهم ويذكـر أن عثمان بن عفـان اشترى بئـر رومة وأرضاً وتصدق بها على المسلمين(. والشيء نفسه قام به طلحة بن عبيد الله الذي اشترى بدوره بئر ماء قرب المدينة وتصدق علـى المارَّة. ويـروى أن جماعة من الأنصار تصدقوا بحائط لهم على رسول الله (ص).

ويؤكد سعيد بن عبد الرحمن الأنصاري هذا النوع من الملكيات الجماعية بقوله: كان أهل قباء من بني عمرو بن عوف، أهل العقبة وبدر، قد حبّسوا أموالهم على أعقابهم وأعقاب أعقابهم. والشيء نفسه يؤكده محمد بن كعب القرظي حينما ذكر حُبُس رسول الله قال : وقد حبس المسلمون بعده على أولادهم وأولاد أولادهم . يبدو واضحاً أن ارتباط المجتمع المسلم بالتنظيم القبلي وكون العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع قبلية فرضت ظهور مثل هذه الملكيات الجماعية على شكل صدقات محبسة او ما عرف فيما بعد بالوقف الذرَّي.