.. ويسألونك عن التعديل الوزاري
حسين الرواشدة
22-02-2009 04:03 AM
يمر التعديل الوزاري - هذه المرة - دون ان يحظى بأي حوار او نقاش ، ترى هل زهد الناس في التعويل على ما يجري من عمليات تجميلية او جراحية للحكومات ، هل فقدوا ثقتهم في وعود الاصلاح والتغيير ، هل انسحبوا من ميادين الاهتمام بالشأن العام ، واستقالوا من السياسة ، هل أخذتهم انشغالاتهم بالرغيف والدواء ومستلزمات «الاولاد» وضغوط المعيشة الى التفكير بما هو اهم ، فقرروا ترك «المهم» لمن يرونه كذلك؟،
ربما يكون ذلك صحيحاً ، لكن «الاصح» ان يقال بان الخلل ليس في مواقف الناس واختياراتهم ، ولا في مستوى وعيهم وانحيازاتهم ، وانما في منهج التعديل نفسه ، فالوزراء السابقون واللاحقون ، الخارجون والداخلون ، لا يختلفون في شيء ، لا في الاداء ولا في الكفاءة ولا في المدارس السياسية والاقتصادية التي خرجوا منها (ان كان ثمة مدارس) ، والآلية التي أفرزتهم او صرفتهم من مواقعهم ، هي الآلية التي الفناها منذ عقود ، لا علاقة لها بالبرامج ولا بالكتل الحزبية المتنافسة ، ولا بالانجاز الوطني والسياسي ، وانما بالاعتبارات الشخصية والاجتماعية ، فالتعديل مطلوب لذاته ، وبورصة الاسماء المرشحة «مخزنة» دائما في الذاكرة ، ويمكن استعادتها في الوقت المناسب ، وحين تسأل: لماذا خرج هذا الوزير؟ او لماذا دخل آخر؟ تفاجأ بان احداً لا يملك اي اجابة مقنعة ، اللهم سوى بعض الاشاعات او التأويلات الاعلامية.. واحياناً «الرغبة» في تغيير الوجوه فقط.
التعديل - اذن - في اهم تجلياته ، مناسبة للحديث عن الاصلاح ، لا لتدشين الاصلاح ، وللحديث عن البرامج السياسية ، لا لاقرار او تغيير او تفعيل هذه البرامج ، وللحديث عن ترشيق الحكومات ، وضخ الدماء الجديدة ، وتحسين الاداء ، وتفعيل سنة الاستبدال ، واطالة عمر الحكومة.. لكنه في الحقيقة لا يتجاوز ما يقتضيه «الحديث» عن لا الحديث في ، وشتان بين هذين الحرفيين ، ولو كان التعديل او ما سواه من مصطلحات تدل على معان حقيقية ، يلمسها الناس ، وينتظرونها ، ويحتشدون للمساهمة فيها ويتآلفون على الحاجة اليها ، لما احتاروا في معرفة من يدخل ومن يخرج ، ولماذا وكيف ، ولما اضطروا الى ابتداع الآليات والاسباب والاهداف ، او الاجتهاد في فهم المقصود ، او حتى - الزهد - في ذلك كله والانسحاب الى السكوت ، لكنه «الموسم» الذي يبدو انه اصبح معتاداً بعد كل سنة من تشكيل اي حكومة ، والفرصة الاكثر اثارة «للنخب» التي تنتظر: موقعاً وزارياً ، او مناسبة للتحليل والخروج من زحمة البطالة السياسية ، او اشارة للبحث عن خطوط جديدة في بورصة المنافع والمصالح وابرام الصفقات المأمولة.
يغيب الجدل السياسي والفكري عن «اجواء» التعديل الوزاري ، في بلد يستشعر المزيد من الاخطار والتحديات ، لان آلية اختيار الحكومات وتعديلها وتقييم ادائها ما زال بحاجة الى اعادة نظر ، وينحصر النقاش في ترشيح الاسماء واعطائها ما تحتاجه من «مضامين» ، لان البرامج التي يفترض ان يجري الحوار حولها ما تزال غائبة ، وتبدو مؤسساتنا الوطنية ، وفي مقدمتها البرلمان ، بعيدة عن هذه المناسبة ، لانها غير مدعوة للمشاركة فيها ، او ان شئت لان مشاركتها - ان حصلت - لن تقدم غير مطالبات معروفة سلفاً ، لا علاقة لها بجوهر الآليات والبرامج والمواقف التي يفترض ان تكون «ميزاناً» للتعديل.
مع كل تعديل ، نكرر المقولات ذاتها ، والتحليلات ، ذاتها ، ويغصّ المشهد بالاسماء ذاتها ، وتنطلق ماكينة التكهنات ، والوعود ذاتها ، فهل سيأتي علينا الزمن الذي نبحث فيه عن تعديل لهذا التعديل ، او لذاك التشكيل ، بحيث تكون السياسة هي الحاضرة ، والاعتبارات الاجتماعية والشخصية وراء ظهورنا ، وبحيث يكون قانون «الاستبدال» قائماً على البرامج والمواقف وخارجاً من رحم الكتل الحزبية الكبيرة ، والتقويم الموضوعي للمنجز الوطني ، لا من رحم الاشخاص والاعتبارات الطارئة ، والمبررات التي لم يعد يقتنع بها احد.