القدس، انتفاضة الملك الهاشمي ..
د. نضال القطامين
12-12-2017 06:04 PM
يوما بعد يوما، تتصدر القدس بمفهومها الديني أولويات القيادة الهاشمية، وموقفا خالدا تلو موقف، تتجذر الولاية الدينية للهاشميين على المقدسات الدينية فيها، بينما يبرز في سياق هذا الاهتمام تاريخٌ طويل من العلاقة الحميمة بدأت من الإعمارات الهاشمية واستشهاد الملك المؤسس ولم تنته بالشريف الحسين بن علي راقدا في ثراها، مرورا بوقفات حيدرية شامخة لجلالة الملك عبد الله الثاني في مواجهة مخططات قريبة وبعيدة لتهويدها ونزع اسلاميتها وإلغاء عروبتها.
لقد بقيت القدس في عين المسلمين على امتداد التاريخ، وكانت تتصدر اهتماماتهم بوصفها أولى القبلتين ومعراج النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وتبعا لذلك كانت أول القضايا ومتصدرة جداول المباحثات للدولة الأردنية، فيما استند هذا الدور التاريخي إلى تضحيات جسام وإلى بطولات مجيدة للجيش العربي الذي حافظ على القدس الشرقية حتى عام 1967 وهو العام الذي شهد احتلالها.
اليوم يعود العالم كلّه للأساسيات، اليوم يكتشف العالم كلّه أن لا مكان للمناورات الهزيلة في المساومة على القدس. لقد جاءت نكبة القدس الجديدة نتيجة للفعل المتهور من الجانب الاميركي المفترض فيه عدم الانحياز بوصفه راعيا أساسيا لعملية السلام في الشرق الأوسط، جاءت هذه النكبة لكي يعود الرأي العام العالمي لحكمة جلالة الملك ولتحذيراته المتكررة من خطورة الخطوات الأحادية المشبوهة، وسنرى كيف سيكون جلالته في طليعة أهل الحكمة الذين سيلجأ العالم لهم حيال هذا الظرف العصيب، وحيال وضع المدينة المقدسة النهائي، ولقد رأينا دعوات من زعماء عديدين للعودة لرؤية جلالته وحكمته.
لم يكن جلالة الملك بحاجة لتوقيع ترمب الأسود الملوّن، حتى ينتفض للقدس، لقد فعلها مرارا وفي كل المنابر التي اعتلاها، ولم يكن سواه من تتصدر القدس كلامهم وخطاباتهم، وفي الوقت الذي أنشغل فيه غيره بثوراتهم وبحروبهم الأهلية المفتعلة وبأسهمهم وبأفكارهم العقيمة، كان عبد الله الهاشمي في طليعة المنافحين عنها. هذا ليس من شأن بحثٍ عن مواقف، هذا من شأن من لهم أياد بيضاء على العروبة وعلى الدين كل أيامهم وكل مواقفهم، هذا من شأن من قدّم لخطابه المرتفع سقفه، دما زكيا من دماء أبناءه وأهله على باب المسجد الاقصى وعلى أسوارها، هذا الهاشمي الذي يعلن على الدوام أن قضية القدس بالنسبة له مسألة شخصية دينية وعروبية وقد حمل ملفها من بعد آبائه الملوك وجدوده الخلفاء.
اليوم، وفي خضمّ هذه الفزعة العالمية للقدس، بات واضحا أن جلالة الملك الهاشمي رقما صعبا إزاء الالتفافات عليها، سواء تلك التي يتصدى لها اليمين المتطرف في العالم أو تلك التي يبحث فيها الطارئون على السياسة والتاريخ عن تبديل للأدوار والولايات الدينية، ويبذلون في سبيلها مالاً ومؤامرات، بل بات واضحا بشكل كبير، أن مسألة كون القدس في عهدة الهاشميين، تمنحهم لحمل هذه الأمانة طرقا وتحالفات مفتوحة على كل الصادقين والمخلصين، بعيدا عن الصفقات وعن المراهنين وعن المرابين، ولكن ما يبعث على الأسى أن جلالته يكاد يكون وحيدا في هذا الميدان، الا من بقي من الشرفاء منهم.
على الصعيد العربي ستكون في الأردن قمة استثنائية. هذا ما أوصى به اجتماع وزراء الخارجية العرب، وسيكون جلالة الملك الهاشمي أبرز الحاضرين في قمة اسطنبول الاسلامية، وبين هذه وتلك، سيبقى للأردن وللهاشميين الوصاية على القدس، وسيبقى دورهم في الدفاع عنها كما كان تاريخيا وشرعيا، حتى يستقيم الحديث عنها والمفاوضات حيالها في مواضيع الوضع النهائي لتكون عاصمة للفلسطينيين، ومن المهم الحديث هنا عن استمرار دعوة جلالته لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بوصفه القضية المركزية للشرق الاوسط، وانتهائه بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس وفق حل الدولتين.