منظومة القيم والأخلاق لدى الشباب في الأردن
د. عمر مقدادي
12-12-2017 10:17 AM
تعّد منظومة القيم والأخلاق لدى الأفراد في المجتمع الأساس في بناء المجتمع وتطوره وازدهاره، إذ إن المجتمع اليوم يعاني أزمة قيم وأخلاق، وأزمة تعليم وتوعية، كما يتسم بعض الشباب بالميل إلى الانفلات الأمني في بعض المناطق، فبعضهم يعتبرون أنفسهم في منطقة فوضى وتسيب، ولا يخضعون لأي سلطة سواء كانت مجتمعية، أو دينية، أو عائلية، أو سلطة القانون، كما أنه مؤشر على غياب التربية والالتزام بالضوابط المجتمعية التي كانت راسخة في المجتمع قبل تلاشي القيم التربوية والأخلاقية، ولابد من الاعتراف بوجود خلل أو صدع في منظومة القيم في المجتمع الأردني، يرجع سببه بالأساس إلى ضعف السياسات التي تتبعها الدولة في المجال التعليمي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والديني…، إذ إن الدولة تراجع دورها في القطاعات الاستراتيجية الحيوية، ما تسبب في هذا الصدع، فالتعليم لم يعد يلعب الدور الرئيس والتنظيمي الذي كان يلعبه سابقًا، ولذلك فإن وزارة التربية والتعليم مطالبة أن تدرس وبعمق أزمة القيم الأخلاقية في المنظومة التعليمية بكل أبعادها ومحاولة إصلاحها، وكون الشباب الأردني في غالبهم ينتمون إلى أحزمة الفقر والمناطق المهمشة، أو أنهم تلقوا تعليمًا رديئًا لا تتوفر فيه معايير الجودة، لا بد من بناء منظومة قيمية اجتماعية مرجعية، تحّصن وتحمي الشباب، بما يضمن أن يتحول الطالب المتلقي للتعليم إلى مواطن فاعل مشارك يتحلى بالثقة بالنفس ويسهم بشكل إيجابي في المجتمع، كما أن الدولة مطالبة بتعزيز دور وزارة الشباب ووزارة الثقافة ووزارة الأوقاف والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة، لتفعيل المعسكرات والمخيمات والمسارح والفنون والأعمال التطوعية والنشاطات المختلفة لدى هذه المؤسسات، وعدم التضييق عليها أو نقل اختصاصاتها إلى هيئات أخرى.
في ضوء هذا الواقع، فإننا لسنا بصدد أزمة قيم فحسب، بل نواجه )احتباسًا قيميًا(؛ ذلك لأن التحول القائم في السلوكيات سيؤدي إلى العنف المجتمعي وكوارث اجتماعية، يصبح معها التعايش والعيش المشترك صعبًا، فمفهوم الأزمة، هو مفهوم ظرفي يقصد به أن الظاهرة ماضية إلى الزوال وأن الحلول قريبة، أما مفهوم الاحتباس فيتضمن مسؤولية الفاعل (المجتمع) وتراكم الفعل (الانفلاتات القيمية)، وهول العواقب (شباب دون مرجعية قيمية)؛ إذ تتجلى مظاهر الخطر في تفاقم الوضع وإلى فعل الاختباء دون إرادة المكاشفة والشفافية، فجميع المواقع المجتمعية: ( المدرسة والجامعة والمستشفى والملاعب الرياضية والإعلام والسياسة وأماكن العمل والعشيرة والأسرة ووسائط النقل ......) أصبحت مستباحة، مما يؤكد وجود ارتباط بين تنامي الظواهر السلوكية السلبية في المجتمع الأردني والقيم والأخلاق، لقد أصبح التعليم في بلدنا يعاني واقعًا مؤلمًا، فعندما تسأل المعلمين عن حال أخلاقيات كثير من طلابهم وهم الأكثر دراية ومعرفة بذلك، يقول أحدهم ( نجد صعوبة بالغة في التعامل مع الطلاب في ظل سوء الأخلاق الذي أصبح سمة أساسية من سمات هذا الجيل)، وفي المقابل عندما تتحدث إلى الطلاب يروون لك قصصًا غير أخلاقية لبعض المعلمين، إذن هناك أزمة في العلاقة بين المعلم والطالب تحتاج إلى إعادة نظر، ولأهمية ودور التعليم، فإن ربط أزمة القيم الأخلاقية في المجتمع بقطاع التربية والتعليم في العالم المعاصر والمستقبلي، يأتي من مسوغ خطورة مطلب فصل التعليم عن الأخلاق وإسقاط القيم الأخلاقية والروحية من النظم التعليمية والإعلامية، وتعويضها بالقيم الصناعية والرأسمالية المستبدة بالإنسان التي تعمل على الإجهاز على قيم الفطرة التي خُلق الإنسان عليها، وانطلاقًا من هذه المشكلة العصرية، لابد من السؤال : كيف السبيل إلى صياغة مشروع متكامل يعمل من جهة على ضبط الإطار المفاهيمي للأخلاق والقيم وبيان طرق إدماجها في النظم التعليمية والإعلامية باعتبارها المجالات الأوسع والأخطر لإعادة ترتيب منظومة القيم لدى الأجيال المكونة للمجتمعات في المستقبل؟.
تعّد عملية تعليم القيم الأخلاقية بما تحويه من ثقافة مدنية، وقيم المواطنة، والالتزام الأخلاقي والمسؤولية الاجتماعية، إحدى الآليات المهمة في التعليم الأخلاقي للطلاب، ففي كثير من بلدان العالم التي اتجهت إلى أنماط حديثة من التعليم، كالتعليم الموجه بالأخلاق، أو التعليم الموجه بالمواطنة أو التعليم الشامل، فتجدها تتجه إلى تدريس مفاهيم ومهارات ومقررات حول حقوق الإنسان، والثقافة المدنية، وثقافة المواطنة، بحيث تحمل المضامين الأخلاقية، ولكن عملية نقل القيم الأخلاقية عبر التعليم تتطلب بعض الشروط، من أهمها مراعاة التدرج في نقل القيم وفقا لمراحل النمو المختلفة، فكل مرحلة عمرية من مراحل النمو يمكن أن تتلاءم مع نوعية معينة من القيم، ويجب أن يعمل النظام التعليمي على بناء المناهج الدراسية للمراحل المختلفة وفقا لهذا التدرج، وبالتأكيد لا يمكن تحقيق تدريس مناهج القيم الأخلاقية إلا بإعداد معلمين أكفاء يملكون أولاً هذه القيم، ولديهم المهارة العالية في إيصال مضامينها للطلاب، فلا يمكن أن يكون معلم جاهل بكثير من الأساليب التعليمية الحديثة، لإيصال هذه المفاهيم والمهارات التعلمية، فالعلاقة في النظام التعليمي مبنية على نمط من التواصل الصحيح بين المعلم والطالب، يقوم فيه المعلم بدور النموذج أو القدوة أو المحرك الذي يلهم الطالب، وهو يتطور من خلال التحدي العلمي المتبادل والتقييم والنقد الدائم للذات والتصحيح الدائم للمسار، لتحقيق أعلى درجات الكفاءة، ويستطيع التلميذ من خلالها أن يتعلم القيم والاتجاهات الإيجابية من مثل: المسؤولية، والمساواة، والعدل، واحترام وتقبل الآخرين، والحوار، والنقد البناء، والتقويم الذاتي، والصبر، وتحمل الضغوط، وتقدير الوقت، والحرية، والعمل التعاوني، والمشاركة، والمبادرة، والثقة بالنفس، والاعتماد على الذات، والإبداع.
ولعل ثمة أسبابًا أخرى تؤدي إلى هذه الانحرافات السلوكية مما يشكل هذه الأزمة وهي:
1- ضعف التنشئة الاجتماعية والوازع الديني الذي يؤثر في السلوك ، حيث يرتبط الانحراف السلوكي والاجتماعي بالانحراف القيمي وفشل منظومة التنشئة الاجتماعية، ومنها الأسرة والمدرسة والمؤسسات الثقافية والدينية والمدنية والاجتماعية.
2- إخفاق الدولة في الجانب الاقتصادي، حيث المديونية العالية وارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب، وعدم قدرتها على توفير حاجات المواطنين، وتفاقم الفوارق الاقتصادية والسياسية التي تقترن بالفساد بأشكاله المختلفة، والتي لا تعبر عن إرادة المجتمع وتخلق أزمة لدى المواطنين.
3- عدم الشعور بالأمان الاجتماعي والاقتصادي، واليأس والبطالة في صفوف الشباب والذي يولده الإحساس بالتهميش والإقصاء، وبأنه لا مستقبل ولا صوت لهم داخل المجتمع.
4- التسرب وانقطاع فئة من الشباب عن الدراسة أو العمل في سن مبكرة، يجعلهم في حالات نفسية صعبة تتسم بالتيه، وقد يدفعهم إلى تعاطي المخدرات التي بدورها تؤدي إلى التوتر القيمي والانحراف السلوكي.
5- انتشار وسائل الاتصال والتواصل والإعلام الحديثة والمحطات الفضائية، وما تتضمنه من تغرير وشحن جنسي للشباب وتوفير فرص لهم إلى الانحراف السلوكي.
6- الولاء العشائري السلبي والتعصب والفزعة والقناعات العدوانية في بعض المجتمعات، يؤدي إلى العنف والانحراف، إذ ينتج عنه ظهور استراتيجيات جديدة للتعويض القيمي.
إن الانحراف السلوكي داخل مختلف الفضاءات المجتمعية، وبشكلها الفردية والجماعية دون استثناء، وفي ظل استمرار غياب سياسة حقيقية وفعالة تعمل على انتشال الشباب الأردني من الواقع الصعب عمومًا ومعالجة البطالة والتهميش وضعف التوعية وضبط وسائل الإعلام وترشيد عملها ، فإننا أمام جيل من القنابل الموقوتة التي ستنفجر في وجه المجتمع، سواء عبر التطرف الديني أو عبر الانحراف الإجرامي، وعليه فإننا نعتقد بأهمية بناء استراتيجية وطنية بمشاركة واسعة من الجهات ذات الصلة، وتطبيق إجراءات لمعالجة ناجعة للتقليص من هذه الظاهرة عند فئة الشباب، بحيث يكون الاعتماد فيها على معالجة شاملة: اجتماعية وثقافية وأمنية وتربوية واقتصادية، وتوظيف آليات المتابعة والرصد والتقييم، بالإضافة إلى أهمية الاستماع إلى الشباب؛ لأنهم هم المعنيون بهذا الانفلات القيمي والتربوي، على أن يتم فتح المجال للاقتراحات والتدابير وبناء الافكار والتصورات الإبداعية، بالإضافة إلى المعالجة المجتمعية وتفعيل التشريعات والمعالجة الأمنية لردع المخالفين، وتأكيد احترام القانون والحريات والنهج الديمقراطي وهيبة الدولة، بالإضافة إلى أهمية التوعية والتنظيم الفكري والثقافي والتربوي، الذي سيكون صمام أمان للشباب من الانحراف، ويعمل على حماية المجتمع الأردني.