حول قانونية قرار المحكمة الجنائية الدولية
المحامي معتصم نصير
12-12-2017 06:38 AM
بتاريخ 11/12/2017، أثبتت المحكمة الجنائية الدولية، بما لا يدع مجالا للشك بأن المواقف السياسية يتم مواجهتها بقرارات شبه قانونية في الظاهر وسياسية في حقيقتها، مما يستدعي التأكيد على الدور القانوني في جميع المراحل السياسية المقبلة، وبخلاف ذلك ستستمر سلسلة السياسة لمواجهة القانون والقانون لمواجهة المواقف السياسة للمالانهاية.
وللتأكيد، فإن الرئيس الأمريكي جورج بوش سحب في العام 2002 توقيع دولته على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بدعوى أنها قد تحاكم الأمريكيين بناءً على دوافع سياسية.
فإذا كانت القرارات السياسية مصدرها سيادة الدول فإن هذه السيادة هي أساس وشرط الانضمام الى المعاهدات الدولية ولا يسوغ قبول انتقاص سيادة الدول بقرارات تتعدى على السيادة بحجة الانضمام لمعاهدة ما، وخاصة إذا ما صدرت تلك القرارات عن منظمات يفترض أنها تطبق القانون وليس السياسة حسب تصريحاتها.
فما هو السند القانوني لإحالة من يخالف قرار التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية الى مجلس الأمن؟
المادة 87 / فقرة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17 تموز لعام 1998 والتي تنص على:
" في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي ويحول دون ممارسة المحكمة وظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام يجوز للمحكمة أن تتخذ قرار بهذا المعنى وأن تحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو إلى مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة."
كما تنص المادة 89 من ذات النظام (تقديم الأشخاص إلى المحكمة) على:
1- يجوز للمحكمة أن تقدم طلباً مشفوعاً بالمواد المؤيدة للطلب المبينة في المادة 91, للقبض على شخص وتقديمه إلى أي دولة قد يكون ذلك الشخص موجوداً في إقليمها, وعليها أن تطلب تعاون تلك الدولة في القبض على ذلك الشخص وتقديمه, وعلى الدول الأطراف أن تمتثل لطلبات إلقاء القبض والتقديم وفقاً لأحكام هذا الباب وللإجراءات المنصوص عليها في قوانينها الوطنية.
هل الاحتجاج بالحصانة الدبلوماسية للرئيس عمر البشير يعفي المملكة من تسليمه؟
نعم، فالمملكة لا تلتزم بتسليم عمر البشير سندا للمــادة 98 من نظام روما (التعاون فيما يتعلق بالتنازل عن الحصانة والموافقة على التقديم ) على:
1- لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم أو مساعدة يقتضي من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدولة أو الحصانة الدبلوماسية لشخص أو ممتلكات تابعة لدولة ثالثة , ما لم تستطع المحكمة أن تحصل أولاً على تعاون تلك الدولة الثالثة من أجل التنازل عن الحصانة.
2- لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم يتطلب من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو لا يتفق مع التزاماتها بموجب اتفاقات دولية تقتضي موافقة الدولة المرسلة كشرط لتقديم شخص تابع لتلك الدولة إلى المحكمة , ما لم يكن بوسع المحكمة أن تحصل أولاً على تعاون الدولة المرسلة لإعطاء موافقتها على التقديم.
* وحيث أن السودان لم توافق على رفع الحصانة عن رئيسها فلا يجوز للمحكمة الجنائية الدولية أن تطلب من المملكة تسليمه، إضافة إلى أن اتفاقية فيينا تمنح الحصانة الدبلوماسية للرئيس عمر البشير.
ما مدى إساءة تفسير نظام روما من قبل المحكمة؟
لقد بررت المحكمة الجنائية في قرارها مدار البحث الى أن الفقرة (2) من المادة 27 من نظام روما تعطل المادة 98 من ذات النظام على الرغم من أن المادة 98 هي نص خاص ولاحق وعلى الرغم من أن المادة 27 وإن الفقرة (2) من المادة 27 هي علاقة بين المحكمة والمسؤول جنائيا ولا يقصد بها الزام الدول الأعضاء بمخالفة المادة 98 أو التزاماتها الدولية، حيث تنص المــادة (27) من النظام (عدم الاعتداد بالصفة الرسمية) على:
1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية, وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص, سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً, لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي, كما أنها لا تشكل في حد ذاتها, سبباً لتخفيف العقوبة.
2- لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي, دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.
** وأشير الى أن قرار المحكمة يقول: "لا يوجد داعي للتنازل عن الحصانة لأنه لا وجود لتلك الحصانة حتى يتم التنازل عنها" !!! مما يعني اهمال كافة القوانين والاعراف والمعاهدات والاتفاقيات الدولية لغاية في نفس المحكمة.
حتى أن المحكمة فسرت المادة 195 من القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات (الملزمة لها) على انها تخضع لتفسيرها وليس للدولة المتعاقدة المطلوب منها التسليم، حيث تنص ذات المادة على:
" لا يجوز للمحكمة أن توجه طلبـا لتسـليم شـخص دون الحصـول علـى موافقـة الدولـة المرسلة إذا كان الطلب لا يتفق، بموجب الفقرة ٢ من المادة ٩٨ ،مع التزامات بموجـب اتفـاق دولي يضع موافقة الدولة المرسلة كشرط لتسليم شخص تابع لتلك الدولة إلى المحكمة."
لماذا قرار المحكمة الجنائية اليوم إذا؟
بكل بساطة السبب سياسي
لماذا الاستنتاج بأن قرار إحالة المملكة لمجلس الأمن سياسي وليس قانوني؟
لأن المحكمة الجنائية الدولية سبق وأن رفضت (قبل عدة أشهر) إحالة جنوب افريقيا الى مجلس الأمن بحجة أن محاكم جنوب افريقيا قد وبخت حكومتها، وقد قال كونو تارفوسر "القاضي الذي ترأس الجلسة"، وهو يقرأ ملخصاً للحكم، إن إحالة هذا البلد إلى مجلس الأمن أو إلى الهيئة الحاكمة للجنائية الدولية "لن تكون طريقة فعالة في الحصول على تعاون" !!!! والواقع هو أن جنوب افرييا قدمت طلب انسحاب من المحكمة الجنائية الدولية.
فهل المحكمة الجنائية تقول بأن إحالة المملكة الأردنية الهاشمية الى مجلس الأمن ستكون طريقة "فعالة" في الحصول على تعاون؟ علما بأن ما ينطبق على جنوب افريقيا ينطبق على المملكة.
علما بأن المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية علق التحقيق في قضية دارفور عام 2014 لعدم وجود وسائل فعالة لاعتقال البشير وهو ما يناقض قراره اليوم عندما يتعلق الأمر بالمملكة وفي هذا الوقت بالذات.
النتيجة:
لا تملك المحكمة الجنائية الدولية حق إصدار مذكرة بحق رئيس دولة يتمتع بالحصانة يزور المملكة سندا للمــادة 98 من نظام روما واتفاقية فيينا واتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية، ولا يجوز لها احالة المملكة الى مجلس الأمن سندا لنظام روما 1998 ولاتحاد العلة مع حالة جنوب افريقيا.
وإن قرار المحكمة الجنائية الدولية مخالف للقانون للأسباب التالية:
1- لمخالفة المادة 98 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
2- إساءة تفسير المادة (14) من اتفاقية مزايا وحصانات جامعة الدول العربية، التي تطلب من الدولة المعنية رفع الحصانة عن ممثليها وليس من الدولة المستضيفة.
3- لأن المحكمة اعتبرت نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية يسمو على السيادة والحصانة بشكل يخالف صراحة أحكام ذات النظام.
4- لأن المحكمة أهملت تماما مبررات الأردن لعدم تسليم الرئيس عمر البشير.
5- لمخالفة القرار لقرار سابق مع اتحاد العلة.
6- لأن الفقرة (7) من المادة 87 من النظام تعطي الحق بإحالة المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو إلى مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة، بينما قررت المحكمة احالة الأمر الى كليهما معا بشكل مخالف للنظام.
علما بأن ردود المملكة على استفسارات المحكمة الجنائية الدولية قبل اصدار قرارها كانت كافية ووافية ولا داعي لإعادة بحثها.