نعتذر لأبنائنا عما لم نفعل!
حلمي الأسمر
12-12-2017 01:27 AM
لا تسمعوا كلام آبائكم؛ تذكرت هذه الوصية التي أطلقها قبل سنوات أحد المشاهير العرب لأطفال فلسطين والعراق والعرب أجمعين، تمردوا على كل الآباء، بالمعنى الحرفي والمجازي، فالآباء لم يكونوا فالحين بما يكفي حتى يحققوا انتصارا حقيقيا ومؤثرا واحدا، طيلة مائة عام على الأقل!
بوسع مستمع غيري أن يفهم هذه الدعوة على نحو آخر، فيرمي صاحب الدعوة بالمروق والخروج، لكن يروق لي أن أفهمها كما فهمت اعتذار الشاعر محمود درويش عما لم يفعل لا عما فعل، وبوسع متصيدي الزلات والباحثين عما يشعل الفتن، أن يقولوا أيضا عن درويش ما يمكن أن يرموا به صاحب الدعوة، فالأمة العاجزة عن كسر ذراع عدوها، تستمرىء تعذيب الذات، والانشغال بخلق أعداء بديلين تسجل على ظهورهم انتصارات كاذبة!
لا تعتذر عما فعلت، بل اعتذر أيها الأب، عما لم تفعل، حين حاولت لعقود طويلة أن تؤبد الخنوع في نفوس أطفالك، كي يسيروا على نهجك في الامتثال والمشي بمحاذاة الحائط، طلبا للستر والسلامة، حتى حين انهارت كل الجدران، حاولت أن تقيمها في أعماقك، ودواخل أطفالك، كي تمشي بمحاذاتها، حفاظا على الحكمة الخالدة: امش الحيط الحيط وقل يا رب الستيرة لعن الله هذا الستر الزائف، الذي حول بيوتنا إلى حظائر لإنتاج خراف أو رعية لا تتقن غير الامتثال لعصا الراعي!!
هل هي دعوة لعقوق الوالدين؟ لا، فنحن مطالبون بمصاحبتهما في الدنيا بالمعروف، حتى لو كانا كافرين؛ ولكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أذكر في زمن مضى أيام كان المسجد، حاضنة لصناعة الرجال، نصيحة والد أحد الأصدقاء له بالذهاب إلى السينما، بدلا من التأخر في المسجد، خوفا عليه من السياسة وكوارثها، وأذكر تماما معصية ذلك الصديق لوالده، ولو فعل، لما كان ما كان، حيث تحول هذا الصديق إلى رجل حقيقي، يترحم على ذكرى والده، لكنه لم يزل مستعدا لمخالفة أمره، حتى لو بعث حيا من جديد!
أيها الأبناء، لتذهبوا إلى الجحيم إن اقتفيتم أثرنا في إتقان صناعة الهزيمة، وبر الوالدين يأمركم باقتراف معصية الامتثال الأعمى وإعادة إنتاج الهزيمة مرات ومرات!
نحن، في ظروف الاحتلال النفسي لأرواحنا، بحاجة لبناء بذرة المقاومة والتمرد على الهزيمة، بأنواعها كافة، سياسية كانت أو اجتماعية أو عسكرية، لأن الامتثال المطلق أنتج أجيالا مشوهة من الرجال والنساء، فلسفتهم اليد التي لا تستطيع عضها قبلها وادع عليها بالكسر، وهي فلسفة قميئة تبقي المجتمع في حالة رخوة هلامية، نشهد تجلياتها فيما نعيش من أوضاع بالغة السوء على كل الأصعدة!
لا تعتذر عما فعلت! بل اعتذر عما لم تفعل وما لم نفعل، من توق للكبرياء وانتصاب القامة، التي تحولت إلى قوس معوج لطول الانحناء والامتثال!
هي كلمات تظل تلح علي، مرات ومرات، أحب أن أعود إليها، خاصة في زمن الرويبضات، كترامب وأمثاله، ممن يحاولون تأبيد «خرفنتنا» كي لا نكون أكثر من ماعز وخراف في حظائرهم، يستدعوننا للذبح متى شاءوا!
لعن الله «الستر» الذي يبقينا على حال قميئة من الذل والاستكانة، في زمن لا يُسمع فيه غير صوت القوي يتصرف كثور هائج يفر من أمامه الضعاف، ويستمرئون الاستكانة له، حتى ولو اعتلى ظهورهم، وحمحم عليها!
الدستور