لعبة خلط الأوراق المصاحبة لمشهد التواطؤ الأمريكي – الاسرائيلي تستدعى لحظة توقف للتأمل والقراءة المتأنية، لأنها بقدر غرابتها، وبقدر ما تثيره من رياح كراهية تجاه المملكة، فإن تداعياتها بعد أن يهدأ الغبار سوف تكون شديدة التأثير على مجمل العلاقات العربية ـ العربية.
دعونا نتفق بداية أن السعودية قامت وستظل بما تراه واجبها نحو فلسطين ولن يعيقها جحود أو كراهية البعض لها عن الوفاء .. وهذا هو الفارق بين من يتبع الحق ومن يتبع الأحقاد وهوى النفوس وخلط الأوراق وقلب الحقائق استجابة لهوى ومرض ووضاعة التوجه.
تشابك العلاقات الدولية للمملكة، وحجم التحديات بالمنطقة، ثم التهديدات الايرانية المتزايدة لمختلف العواصم العربية فرضت تحديدات وأعباء جسيمة على السياسة الدفاعية والدبلوماسية السعودية لمواجهة الخطر الايراني.
فعلى النقيض من عواصم عربية ودولية كثيرة لم تستجب المملكة لتلك الضغوطات وتنأى عن الانخراط في قضايا أمتها العربية والإسلامية ، بل وقفت سداً منيعاً في مواجهة مخططات الطغيان واستباحة الأوطان التي تمارسها ايران وأذنابها من منابر وعواصم عربية بكل أسف ، سواء من بيروت أو الدوحة أو صنعاء ودمشق.
وبقدر رؤيتها لحجم التهديدات الايرانية وخطورتها ، جاء اشتباكها بكل ما تملك من عتاد وسلاح وأرواح شهدائها ..
ورغم جبهات القتال التي تستنزف جهودها الدبلوماسية والاقتصادية فإنها لم تتنصل من تعهداتها المالية تجاه الأشقاء في فلسطين ، فتحملت رواتب جميع الدبلوماسيين الفلسطينيين لسنوات طوال ، بل ان رواتبهم سجلت ارتفاعاً ملحوظاً عن رواتب الدبلوماسيين السعوديين أنفسهم.
قوافل الاغاثة وحملات التبرعات لم تتوقف يوماً ما عن دعم صمود الأشقاء .. جهود الوساطات لم تهدأ منذ النكبة وحتى يومنا هذا .. سيل من المبادرات السياسية والإنسانية والاقتصادية لدعم الصمود الفلسطيني عملاً بوصايا الآباء المؤسسون.
تاريخ ممتد من العطاء لا ينكره سوى حاقد أو غادر أو مأجور ، لكنها الأزمات والمحن التي تظهر ما في الصدور من ظلام العقول وحقارة الضمائر.
الحقيقة الماثلة لدينا في ذلك المنعطف الحرج الذى تمر به الأمة الاسلامية ، أن هناك ربط مضلل بين حماقة الادارة الأمريكية واجترائها على الحقوق التاريخية والقانونية للأشقاء الفلسطينيين ، وثوابت القانون الدولي تجاه القدس ، وبين مساعي وجهود مخلصة تقودها المملكة في السر والعلن لاسترداد الأراضي الفلسطينية المحتلة من أيدى الصهاينة.
ووسط ذلك سباق فاجأ الرئيس الأمريكي الجميع بقفزة الى المجهول ، لا يمكن لأى عاصمة عربية أو اسلامية أن تشاركه فيها ، لأنها ببساطة شديدة توصف بأنها " من لا يملك اعطى لمن لا يستحق".
ثم كيف يريدنا الفلسطينيين ان نقف بجانبهم، وهم بكل محفل يمجدون بتركيا، ويبثون الحقد والكراهية تجاه العواصم العربية جميعها ، وخاصة مصر والسعودية .. مصر الي ضحت بخيرة شبابها بالحروب مع اسرائيل .. والسعودية التي عمرت بفلسطين اكثر من اي دوله بالعالم.
السعودية لم تفتتح سفارة لإسرائيل فوق أراضيها ، ولم تكن يوماً أكبر شريك تجاري لها، أو تشتري الغاز الفلسطيني المسروق ، أو تحالف إسرائيل في الناتو، كما أنها لم تقدم التدريب إلى الطيران الإسرائيلي ، أو تسمح بتصنيع أسلحة اليهود على أرضها.
بل ان لمحة رقمية سريعة خلال هذا الأسبوع لما بثه منبر الدوحة الأكثر كراهية المعروف باسم "قناة الجزيرة" ستكتشف لنا أنها قدمت "38 تقرير ومقال ضد السعودية ، 26 ضد مصر، 35 ضد اليمن ، 19 ضد الإمارات، صفر ضد إيران" .. لم ينجو أحد من رياح الكراهية سوى ايران!!!.
ركوب موجة العداء التي تحركها اصابع ايران بالمنطقة يخدم في نهاية الامر المخطط الاسرائيلي – الامريكي ، ويضعف من أواصر الترابط العربي ، ويفكك صمود الأشقاء في فلسطين ، لكنه لن ينال من المكانة الدينية والسياسية الرفيعة للمملكة .. فالنار تآكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
الدكتور / مطلق سعود المطيري
أستاذ الإعلام السياسي - جامعة الملك سعود