سنوات طويلة مضت عندما أرشدني أحدهم إلى سيارة مستعملة " رخيصة وكويسة " لكنها لم تكن " بنت ناس " فقد كانت " نكرة " من صنع دولة شرقية لا شهرة لها بصناعة السيارات وكان من سوء طالعي أن تلك السيارة هي تقليد لسيارة أوروبية معروفة .
أصاب سيارتي عطب بعد أيام من عملية الشراء ، وذهبت إلى ميكانيكي بعد أن زكاه احدهم ، وبعد الكشف حدد ما يجب إصلاحه بالسيارة من ميكانيك وكهرباء ، وتم ذلك وتمنيت أن تكون عملية الاصلاح فاتحة خير خاصة أني وجدت عملا بعد تقاعدي . ما لبثت السيارة أن تعطلت فعدت أدراجي إلى من أصلحها فأعلمني أن العيب جديد وأن ما أصلحه على ما يرام ، وتم إصلاح العيب الجديد ، وبعد أيام اصيبت السيارة بالعطب ، فقررت مراجعة ميكانيكي آخر ، وتم ذلك ، وما أن رفع الميكانيكي الجديد غطاء المحرك ونظر سريعا إليه حتى بادرني بالسؤال : " مين الحمار اللي أصلح السيارة ؟ " وأخذ يشرح لي ما أفهمه وما لا افهمه حول الأخطاء التي وقع بها الحمار الذي أصلح السيارة ، فطلبت منه إجراء ما يلزم لتلافي أخطاء " الحمار " فقد أقنعني أنه خبير في إصلاح السيارات وبهذا النوع من السيارات على وجه الخصوص . سارت السيارة على ما يرام بضعة أيام بعد أن أصلحها " فلتة زمانه " .
استمرت أحوال السيارة على ما هي عليه ، وتابعت مراجعة الكراجات وورش الاصلاح بما فيها وكالة السيارة " النكرة " وبدأت تستنفذ من معنوياتي ونقودي الشيء الكثير ، وكان أكثر ما يغيظني في الأمر كله تلك اللازمة التي يكررها كل ميكانيكي أو كهربائي بعد رفع غطاء المحرك : " مين الحمار اللي أصلح السيارة ؟ " .
شكوت أمري لأصدقائي وجيراني ، وتبين لي أن الحال من بعضه . وكان لا بد من إتخاذ إجراء ما ، إما أن أحرق السيارة ، أو ألقي بها في واد سحيق لا تغادره ، وأخلص من شرها ، أو ابيعها لآخر ، فقررت بيعها وإعلام المشتري بأنها كتلة من حدبد وله أن يقرر مدى صلاحيتها ، وتم ذلك ومنذ ذلك اليوم آليت على نفسي أن أشتري سيارة مستعملة ، أتعذب عند قيادتها وترخيصها واصلاحها ، وأن أكتفي بحلم إقتناء سيارة " وكالة " ولا أزال .
أكاد أجزم أن معظم من يعمل بمهنة إصلاح السيارات لم يتلقى تدريبا مهنيا على أسس علمية سليمة ، بل تعلمها من عمله صبيا لمعلم ، يعد له الشاي ويشتري له السجائر ، وأن تعلمه لمهنة إصلاح السيارات كان كما في المثل المصري " تعلم الحلاقة برؤوس اليتامى " ولا أريد ذكر المثل الأردني المقابل للمثل المصري إذ يكفينا حمار واحد ولاداع لجمع من الحمير أجلكم الله وأعز مقداركم .
أتمنى أن يتلقى كل من يرغب بتعلم مهنة ما علمه في معهد مختص ، وأن لا يمنح رخصة مزاولة المهنة إلا بعد إمتحان رسمي ، وأن يلتزم بعد تخرجه بالمعايير الأخلاقية والمهنية في تعامله مع زبائنه .
haniazizi@yahoo.com