موقف فلسطيني عربي إسلامي موحد
د.رحيل الغرايبة
10-12-2017 12:36 AM
قضية القدس قضية حق عادلة وصائبة ورابحة وتجد قبولا عالميا واسعا، ولكنها تحتاج إلى صاحب حق واع ومبصر، ومتمسك بحقه وقادر على الدفاع عن حقه ببسالة ، وفي الوقت نفسه تحتاج إلى جهد ومثابرة، وتحتاج إلى خطة عمل واضحة المعالم والخطوات وخطاب عالمي متماسك لا يعرف التلجلج و التردد و التخاذل، لأن الحقوق لا تضيع إلا بتخاذل أصحابها وتفريطهم وتهاونهم في نصرة أنفسهم وتقصيرهم بالمطالبة بحقهم .
ما حدث بخصوص القدس المحتلة خلال الايام القليلة الماضية من اعتراف رئيس الولايات المتحدة بها عاصمة للكيان الصهيوني المحتل يُعدّ اعتداءً صارخاً على كل القيم والمعايير الدولية ومنطق الحق الطبيعي ، وهي تشكل حدثاً فاصلاً في تاريخ الصراع المحتدم من سبعين عاماً، ويمكن الوقوف على بعض معالم هذا الحدث ودلالاته في سياق الخطاب السياسي الدولي ومآلات التوافقات الجارية بين القوى العالمية والإقليمية بخصوص ما يطلق عليه «الشرق الأوسط» الجديد .
كان إعلان القرار من جهة الرئيس الأمريكي بطريقة تحمل قدرا كبيرا من الاستعلاء والغطرسة وتم اخراجه بطريقة استعراضية نقصد الاستفزاز المتعمد ؛ حيث تم نقل صورة الرئيس وهو يوقع القرار ، وهذه اللقطة مقصودة بحد ذاتها اذ يعبّر فيها عن كراهيته الشديدة للمسلمين والعرب، وعن قدر هائل من التعصب، وإذا تم ضم هذا القرار إلى قرار منع مواطني ست دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة فإن ذلك يشير بوضوح إلى منهج شعبوي يقوم على مبدا الاستقطاب وإثارة كوامن التعصب، بالإضافة إلى إظهار الاحتقار لزعماء الدول العربية وشعوبها حيث يصفهم بالهمجية والتخلف، وهو يرى أن هذه الطريقة بالتعامل مع زعماء العرب أكثر جدوى.
ولذلك فإن الصفعة الأولى في هذا القرار تم توجيهها إلى الأنظمة العربية الحاكمة وإلى الزعماء العرب فبل الشعوب والجماهير العربية وهذه الكتلة البشرية العملاقة التي قلّ وزنها وأثرها في مجريات الأحداث العالمية وفي صياغة القرارات التي تخصها.
هناك استخفاف واضح وكبير أيضاً من قبل إدارة الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه المجتمع الدولي والمنظمات والمؤسسات الدولية بما فيها هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ومنظمة اليونسكو، ويلاحظ ذلك من متابعة التصريحات الصادرة عن القادة و الزعماء الأمريكيين و»الإسرائيليين»، فعلى سبيل المثال ما قالته مندوبة الولايات المتحدة في اجتماع مجلس الأمن الطارئ الذي عقد بخصوص القرار الأخير، حيث وصفت هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها بأنها معادية «لإسرائيل» وأن الولايات المتحدة لن تسكت عن هذه المواقف العدائية «لإسرائيل».
أما التصريحات المشينة فهي التي صدرت عن مندوب (إسرائيل) في حديثه لمجلس الأمن شاهة بوجوههم بقوله: «في العام المنصرم هذا المجلس نفسه اتخذ بكل جرأة بل بكل وقاحة قراراً يقضي بأنه لا علاقة لإسرائيل بالقدس والمسجد الأقصى ..» ولذلك يمكن القول أن هذا القرار يعد في قمة الاستخفاف بالمجتمع الدولي كله وبهيئة الأمم وبكل المؤسسات والمنظمات الدولية.
المهم في هذا الموضوع أنه علينا جميعاً أن ندرك أننا أمام مرحلة جديدة مختلفة، وأننا أمام حقيقة إعادة تشكل المنطقة في ضوء الانحطاط العالم العربي وضعف العرب وتفريق صفهم وتدمير أقطارهم ودولهم، مما جعل «الإسرائيليين» وحلفاءهم أن يضربوا ضربتهم في هذا الوقت المناسب حسب تقديرهم.
اما الأمر الأكثر أهمية من كل ما سبق فعلينا أن ندرك أن هذا التحدي الكبير يحمل بين طياته فرصة ثمينة قابلة للتحقق، وذلك اعتماداً على حقيقة توحد العرب والمسلمين على قضية القدس، مهما كانت درجة الاختلاف والتباين السياسي والفكري بين مكونات الجسم العربي، ومن هذا المنطلق يمكن إعادة بناء موقف سياسي قوي ومؤثر يرتكز على عوامل الوحدة، ولا بد من البدء بالجسم الفلسطيني وانجاح المصالحة الفلسطينية الداخلية وصياغة قيادة موحّدة مشتركة أولاً، وبعد ذلك لا بد من جمع الصف العربي وتأجيل الخلافات الأخرى وصياغة موقف عربي موحد إزاء القدس، ومن ثم الانطلاق إلى الدول الإسلامية مثل تركيا وإيران والباكستان، لتشكيل تحالف عربي إسلامي متماسك وقوي إزاء القدس والمقدسات، ومن هذا الموقف الموحد يمكن الانطلاق إلى العالم، حيث أن معظم دول العالم اعترضت على الموقف الأمريكي ورأت فيه مخالفة صريحة للقرارات الدولية والشرعية الدولية، ومخالف لما تم الاتفاق عليه بخصوص ملف القدس وملفات الحل النهائي.
في ظل التجارب السابقة بنظر المواطن العربي إلى امكانية الموقف السياسي العربي أنه بعيد المنال، ولكن يمكن القول أن هذه المرة مختلفة، لأن الأنظمة العريبة الرسمية هي أكثر الأطراف تضرراً بالقرار الأمريكي بل إن بعض المراقبين السياسيين يعتبر هذا القرار نعياً للقرارات الدولية ونعياً للنظام الرسمي العربي، ولذلك على الزعماء العرب أن يبادروا إلى هذا القرار دفاعاً عن أنفسهم أولاً قبل الدفاع عن شعوبهم ومقدساتهم ومستقبل الأجيال والمنطقة.
الدستور