في سُلم القيادة والإدارة الأمريكية، يأتي وزير الخارجية من بين أهم الوزراء. وريكس تيلرسون مهندس ورئيس فرقة كشافة بارع، احترف النفط والتجارة وأعمال الطاقة، وعقد صفقات تجارية مع الرئيس بوتين عام 2014 وعارض العقوبات على روسيا التي فرضتها إدارة أوباما بعد الأزمة الأوكرانية، وهو لا يبتعد كثيراً عن الرئيس ترامب التاجر والمقامر، هؤلاء وجه أمريكا الحاضر الذي يختصر تاريخها في الشرق الأوسط والعالم.
ولا يعني هذا أن من سبقهم كان أفضل، فأوباما بدأ حملته من اسرائيل، وكان وفياً لها، وجون كيري كان أقل حسماً من كل من سبقوه واضعفهم شخصية، ولم يستطع ثني نتنياهو خطوة واحدة في موضوع المستوطنات أو دفعه لاستئناف السلام، ولم يحمل معه للشرق الأوسط غير الخيبات في ملفات اليمن وسوريا واليمن.
بلد واحد تفيه أمريكا وعودها بشكل صحيح، وهو أسرائيل، ودون ذلك تضحي بالجميع، حتى أعمق حلفائها صلة بها عبارة عن حقائب سفر، وتاريخها في الشرق الأوسط يدلل على ذلك، ولا يوجد لها صدق، أما رغائب اسرائيل وأمانيها القومية فهي الأولوية الأولى والقصوى فوق الطاولة وتحتها.
الجمهوريون أقرب للحماقات والتجرؤ على تاريخ المنطقة وواقعها والأكثر تأثيراً، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هناك أسماء لوزراء ارتبطوا في المنطقة، وحضروا بقوة، وغالبا الحضور القوي للخارجية الأمريكية يرتبط برئيس قوي أو مندفع بهم ارضاء اسرائيل، والـتأثير للجمهوريين كان أكبر، إذ جاء جون فوستر دالاس وزير خارجية بين عامي 1953-1959 مع الرئيس أيزنهاور، وقدم للمنطقة مشروع حلف بغداد للوقوف بوجه المدّ الشيوعي في المنطقة العربية، والوزير وليام روجرز بين عامي 1969-1973 في عهد الرئيس نيكسون، صاحب مشروع التسوية مع اسرائيل حيث قدّم أول مبادرة لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
أما هنري كيسنجر فبين عامي 1974- 1977 لعب دوراً مهماً في الانفتاح على الصين والشرق الأوسط وتوجت زياراته المكوكية بين العرب وإسرائيل باتفاقية كامب ديفيد عام 1978. وخدم جيمس بيكر مع الرئيس جورج بوش الأب بين عامي 1989-1992 وزار المنطقة عشرات المرات بحثاً عن مخرج لأزمة 1990. وسجل أكثر الوزراء تأثيراً وحضوراً أواخر القرن العشرين.
كان وزراء الخارجية الكبار أمثال بيكر ونيكسون ودلاس وغيرهم يقابلون رؤساء الدول للخروج بحلول أو إنهاء صراعات مديدة أو المجيء بتدخل سافر في المنطقة، أو إطفاء عزلة، واحينا صناعة أزمة أو شن حرب جديدة، واغراق المنطقة بالفوضى، هنا لا ننسى بوش الأب وبوش الابن.
للأسف ترامب وتيلرسون من هذه القماشة، قماشة الأزمات والتسلح والفوضى، والمقامرة والمتاجرة بمصائر الدول، ليس هنا أولويات بمقايس اوباما الذي كان يرتب الأمور بين هام وعاجل وغير هام وعاجل، وغر عاجل وغير هام، فترامب يرتب الأمور وفق معادلة الربح والخسارة، وأولويته بالربح وقبض الأثمان حتى لو كان الثمن الإطاحة بمسار السلام كله لعيون اللوبي اليهودي المربح جدا بالنسبة إليه.
اليوم خير الردود على أمريكا هي التفات القادة إلى شعوبهم، باعتبارهم حصنهم المنيع من السقوط؛ لأن أمريكا ماكرة وخداعة، وليس لديها أي رغبة في الشرق الأوسط غير جني المالي وبيع السلاح وحفظ أمن اسرائيل.
الدستور