أصبحت دورات تطوير الذات هي الأكثر شهرة والأسرع انتشارا في هذه الأيام فبعد أن كانت تقام في الجامعات والمعاهد التدريبية بمقابل مادي أصبحت تقدم في دورات مجانية عبر الوتس أب مما زاد في انتشارها وإقبال الناس عليها
وهي لا تخلو من بعض الفوائد كتشجيع المنتسبين على تجاوز المحن الصعبة والتغلب على ضغوطات الحياة والسعي لتحقيق النجاح من خلال عبارات هادفة ومحفزة مثل عبارات :
فكر بما يسعدك وابتعد عن القلق
اعرف نقاط ضعفك وتغلب عليها
لا تستمع لشخص يحاول إحباطك
يرى الناجح حلا لكل المشكلة ويرى الفاشل مشكلة في كل حل فهي مقولات تدعم الثقة بالنفس وتشجع على الاستمرار والتغلب على الظروف الصعبة المحيطة بالإنسان
ولكن في المقابل ترتكز هذه الدورات على عبارات و مفاهيم ومبادئ خطيرة تبني الذات في ظاهرها ولكنها في الحقيقة تتسبب بتفكك المجتمعات حتى وإن لم يقصد المدربون ذلك التفكك
فهي في أغلبها مستمدة من كتب مدربين غربيين ثقافتهم ونظرتهم للحياة تختلف عن نظرة العرب الذين تلقوا هذه الافكار بالإعجاب والترحاب
من هذه المفاهيم قانون الجذب والتركيز الذي أوجدته الكاتبة الأسترالية روندا بايرن والذي ينص على أن الأفكار الحالية للإنسان تصنع مستقبله
بمعنى أن أفكار كل شخص تملك قوة جذب كبيرة تجعل أي شيء يفكر فيه أمرا حقيقيا حاصلا لا محالة
ويشرح المدربون هذا القانون بإعطاء الأمثلة العملية مثل قول أحد
المدربين : " ركز على الثروة تحصل عليها"
"ركز على الشهرة تأتيك "
فإن سلّم المتدرب بالقانون وركز على الثروة وسعى لها ولم يحصل عليها بسبب الظروف المحيطة به أو لأن الله تعالى لم يكتب له هذه الثروة أُحبط ويئس وشعر بالفشل وربما ترك السعي والعمل مدة من الزمن قبل أن يتغلب على إحباطه فينعكس هذا سلبا على أسرته وجميع من يعولهم
وإن تكرر هذا الأمر مع عدد كبير من الأفراد ضعف الإنتاج في المجتمع وربما تراجع المستوى الإقتصادي .
وكذلك مبدأ (غير المعتقدات التي تقف حائلا في وجهك ) الذي ذكره أنتوني روبنز في كتابه
أيقظ قواك الخفية دون ضوابط أو قيود بمعنى أنه من حق الفرد أن يغير أي معتقد يقف في طريق إثباته لذاته
وهذه دعوة صريحة للتمرد على المعتقدات الثابتة في مجتمعنا الاسلامي العربي فقد يتمرد أحدهم على بعض ثوابت الدين مثل الحصول على المال الحلال بالطرق المشروعة
فيسعى للربح بأي شكل كان غير مكترث بمخالفة تعاليم دينه فيرابي أو يقامر أو يغش في بيعه ولا يخفى على أحد الأضرار البالغة على المجتمع التي يسببها الكسب غير المشروع
وربما يتمرد الأبناء على الآباء بحجة الاختلاف في المعتقدات وتتفكك الأسر
وتندرج تحت هذا المبدأ عبارات كثيرة يرددها مدربو تطوير الذات مثل حطم الحدود
انت قدوة ولن تقاد
كن كما تشاء
وكلها في النهاية تشجع على التمرد
تمرد الأبناء على أسرهم والموظفون على مدرائهم وربما تجرأ البعض بالتمرد على أنظمة بلادهم وعاثوا في الأرض الفساد
ولن يتسع المقام في هذا المقال لذكر جميع مساوئ هذه الدورات على المجتمعات
لكني أرى أن السعي لتطوير المجتمع كوحدة متكاملة خير من تطوير الذات الواحدة فإن التركيز على الذات يورث الأنانية والكبر ويضعف شيئا فشيئا التمسك بالأخلاق الفاضلة التي تبني الأمم
بينما التركيز على رفع مستوى الأمة بالطرق البناءة وكأنها جزء واحد لا يتجزأ فإنه سيطور الأمة وسيرفع مستوى أفرادها ويحسن معيشتهم وسيدفعهم للعمل الجماعي للحفاظ على نجاح أمتهم وتفوقها على سائر الأمم