ترامب و نتنياهو تجاهلا «الدور الأردني»… وهواجس من السيناريو الأسوأ
بسام بدارين
08-12-2017 02:53 AM
يضغط السفير البريطاني في الأردن إدوارد أوكدن على الجملة العصبية السياسية المشدودة عندما يقترح سؤالا على بعض الأصدقاء الأردنيين حول كيفية التصرف والسماح بشتيمة الرئيس الأمريكي وبالمظاهرات ضدَّه بينما الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة اليوم التي تقدم مساعدات مالية للمملكة.
مثل هذا الاستفسار العميق في الواقع والمغطى بخبث دبلوماسي يبدو مشروعًا في اللغة السياسية، لأن مواقع صنع القرار في الأردن نفسه غاضبة ومحتقنة، والأهم محتارة اليوم في برمجة الخطوة التالية بعد إعلان الرئيس ترامب الصادم بنقل سفارة واشنطن إلى القدس.
العصب الأردني هنا سياسيًا مشدود للغاية، حيث انكشف الظهر السياسي تمامًا، عندما تبينت وقائع وحقائق تخلّي الحلفاء العرب عن برنامج دعم الأردن الاقتصادي والمالي، فالموقف الأردني المرتبك اليوم الذي يمتلك هوامش مناورة محدودة، ينتج في الواقع العملي عن ترك السعودية ودول الخليج الثرية عمّان وحيدة تمامًا في مواجهة أزمة اقتصادية خانقة.
وبصورة تبدو مقنعة عندما تقترحها المعارضة الأردنية وهي تربط بين التخلّي عن مساعدة الأردن وإجباره التام على البقاء في منظومة المساعدات الأمريكية فقط، مع ما ينتجه ذلك من تعقيدات واضطرار لاحتواء وقبول الانحياز الأمريكي الرئاسي المرعب لليمين الإسرائيلي على حساب المصالح الأردنية الأساسية.
الحليف المتهم
الصديق والحليف السعودي الصامت متهم تمامًا اليوم ليس في لغة الشارع والنخبة، لا بل في لغة السياسيين والرسميين خلف الستارة، بأنه قدم مساهمة كبيرة لكي يبقي الأردن وحيداً في مواجهة الصفعة التأريخية التي وجهها الرئيس دونالد ترامب التي تنتج بالوقت ذاته أفضلية لحكومة بنيامين نتنياهو وهي تسترسل في العبث بالطبق الأردني.
نُبل المؤسسة الرسمية الأردنية وتقاليدها في احترام الشراكات حتى عندما تصبح بعيدة عن الاستراتيجيات، يمنعها من الشكوى والتذمر، خصوصًا مع الشقيق السعودي الأكبر.
لكن ذلك لا يعني بلغة السياسة العميقة عدم الشعور بالخذلان الشديد والمخاوف التي يمكن رصدها بين الأسطر والحروف والكلمات من انتقال الموقف من مستوى السلبية والخذلان والتجاهل إلى مستوى الاستهداف لاحقًا.
السفير البريطاني الذي كان الأسبوع الماضي نجمًا سياسيًا على هامش زيارة رئيسة وزرائه، علق جرس المفارقة بسؤاله المتخابث في الوقت الذي يشعر فيه كل من يعمل في الدوائر الإدارية السياسية الأردنية اليوم بالإحراج والاحتقان الشديد ليس فقط لأن قرار ترامب كان بمثابة وعد بلفور جديد من حيث الوقع المعنوي والشعبي.
ولكن أيضاً لأن هذا القرار منح اليمين الإسرائيلي هدية كبيرة على حساب مصالح الأردن ودوره في رعاية القدس، من دون أن ينصف الجانب الفلسطيني، عبر تجنب الإشارة لترسيم حدود القدس التي يقصدها الأمريكيون، الأمر الذي شكل في الواقع صدمة كبيرة للأردنيين ومؤسساتهم.
ليس فقط لأنه يعوق أية تسوية سياسية، ولكن أيضا لأنه لم يتضمن أية عبارة تخدم استراتيجية تقاسم القدس وتمكين الفلسطينيين من إقامة عاصمة لهم شرقيها.
صدمة الأردنيين لا تقف عند هذه الحدود، فنص قرار ترامب عندما تعلق الأمر بالمقدسات الإسلامية حصريا تحدث بخجل عن حقوق الأقليات الدينية في الصلاة في الحرم الشريف والتفاوض عليها وتعليق نتنياهو بعد خطاب ترامب كان لعوبا للغاية عندما تعهد بأن يضمن للمسلمين أداء صلاتهم في الحرم الشريف.
كلاهما ترامب ونتنياهو وبوضوح شديد تجاهلا التطرق إلى الوصاية الهاشمية ودور الأردن في رعاية مقدسات القدس والإشراف على أوقافها الإسلامية والمسيحية.
التجاهل
بلغة الدبلوماسية الأردنية كما نقل عن وزير الخارجية أيمن الصفدي هذا التجاهل لا يحصل مجانًا، ويؤشر إلى استهداف محتمل حتى للمظلة الأردنية في مسألة المقدسات، الأمر الذي دفع الملك عبد الله الثاني إلى الإعلان وهو إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن تمسك بلاده برعاية شؤون القدس والمقدسات والقيام بدورها. ذلك مرة أخرى لا يحصل من دون سبب برأي دوائر القرار العميقة في الأردن، حيث يمكن هنا نسج سيناريوهات عدائية جداً للأردن ودوره قد تطل برأسها قريباً ولا بد من الاحتياط لها.
التعبير عن هذه الهواجس حصرياً كامن الآن على مستوى تساؤلات في إطار النخبة وليس مركز القرار خصوصًا عندما يتعلق الأمر بتقويم المظلة السعودية المريبة التي وفرت الغطاء لخطة ترامب حيث يتوقع بعض الساسة السيناريو الأسوأ، وهو تطوير حراك ثلاثي أمريكي – إسرائيلي – سعودي يضغط أكثر على الأردن ويحاول إخراجه من معادلة القدس والمسجد الأقصى لمصلحة برنامج لا يزال سرياً باسم توسيع مظلة مؤسسة ستولد قريباً بمضمون إسلامي وتحمل اسم «خادم الحرمين الشريفين» على أن ذلك قد يلازم لاحقاً اللحظة التي ينتقل فيها الحكم مباشرة للأمير محمد بن سلمان.
تلك هواجس كانت أصلاً موجودة وينكرها أصحاب القرار الأردني. لكن النسخة الأمريكية من وعد ترامب الجديد وقراره دفعت هذه الهواجس إلى السطح السياسي الأردني تماماً ونتج عنها وبكل وضوح حجم ومستوى الاحتقان الشديدين المرسومين اليوم على مـلامح كـل مسـؤول أردنـي.
وعليه تصبح الخيارات ضيقة جداً أمام الهامش الأردني ويمكن بالنتيجة تفهم تفاعل عمّان مع المظلة التي يقر بها اليوم الرئيس التركي اردوغان حيث يدفع الحلفاء والأصدقاء عمّان إلى البحث عن خيارات أزمة وحيث تقررت سريعاً خطة هامش المناورة الوحيدة المتاحة التي ستخاطب الرئيس ترامب بعد الآن باللغة التالي: منحت القدس من دون ترسيم حدودها للإسرائيليين وعليك أن توضح التزامك الآن بعاصمة فلسطينية في القدس الشرقية على الأقل.
هذا بصورة محددة التكتيك الذي قررته عمّان وستعرضه السبت المقبل على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة من دون أدنى ضمانات بطبيعة الحال بتحصيل أي نتيجة لا من العرب ولا من الأمريكيين.
القدس العربي