اليعقوبي في سخرياته ومساخره
خالد القشطيني
08-12-2017 02:24 AM
الشاعر العراقي الراحل محمد علي اليعقوبي مزدوج القرائح، فهو يقف خطيباً في المنبر الحسيني في النجف، ولكنه ما إن ينزل من المنبر حتى يلتفت يميناً وشمالاً، ينظر فيمن يحق عليه أن يشتمه ويسخر منه من ساسة البلاد، وما أكثرهم.
نظم أولو الشأن حفلة الأربعينية عام 1933 لتأبين الملك فيصل الأول - رحمه الله - وتولى السياسي صادق البصام والصحافي عبد الغفور البدري تنظيم الحفل. دعوا من شاءوا من زعماء ووجهاء البلاد ولكن خانتهم الذاكرة ونسوا اليعقوبي. بيد أن الشاعر لم ينسَ أن يرد عليهم بقصيدة نظمها في هذه المناسبة واستهلها بهذين البيتين على ما عودنا عليه:
إن الذي فجع العراق بفقده
وبكت عليه العرب والإسلام
أسفاً تقوم على رشاه عصابة
أعضاؤه البدري والبصام!
ويظهر أن الشاعر لم ينسَ لعبد الغفور البدري هذه الإساءة، فالعفو ليس من طباع العراقيين، فرأى أن البدري كان قد أصيب بالشلل مؤخراً فقال فيه:
قد قيل ما ليد البدري ما برحت
شلاء لم يستعن فيها على عمل
فقلت تلك يد كانت مسخرة
للإنجليز رماها الله بالشلل!
بعد عامين اجتاحت العراق المنازعات الحزبية والمعركة على الكعك، على نحو ما نراه اليوم. أسفرت الخلافات عن تسليم الحكم لياسين الهاشمي، رئيساً للوزراء ثم جاء هذا بقريبه طه الهاشمي، ربيب آخر من بقايا الحكم العثماني، وأسند إليه وزارة الدفاع. ما إن سمع اليعقوبي بالخبر وقرأ الأسماء في الجرائد حتى أوحى له بما أوحى فقال:
قالوا وزارتكم ياسين يرأسها
وقائد الجيش طه في الميادين
يا رب طه وياسين بحقهما
أجر عبادك من طه وياسين
ولكن وزارة الهاشمي لم تدم طويلاً في الحكم فتآمر عليها العقيد بكر صدقي، رئيس أركان الجيش وأعوانه في أول انقلاب عسكري عرفه العالم العربي عام 1936. وفي صبيحة يوم الجمعة من شهر ديسمبر (كانون الأول)، ألقت الطائرات العراقية القنابل على مبنى مجلس الوزراء فهرب ياسين الهاشمي وزمرته إلى سوريا، حيث كان يتمتع بشيء من الشعبية بسبب ما أسداه من أفعال في الثورة العربية وفتح دمشق. انطلق الشاعر اليعقوبي ليعلق على الخبر متشفياً مما حصل للوزارة الهاشمية:
أبلغ إذا جئت ياسين ومن معه
رسالة كلها لين وتعطاف
أضحى بكانون في الشام اصطيافكما
والناس في آب وتموز تصطاف
أصبحت هذه الثنائيات الشعرية مرتعاً للشاعر النجفي محمد علي اليعقوبي فولع فيها في شتم شخصيات البلاد، مما نتمتع به الآن من السخرية السياسية فنعود إليها في مقالاتنا المقبلة إن شاء الله.
الشرق الأوسط