إعادة البوصلة إلى وضعها الأصلي
سيف الشريف
07-12-2017 08:50 PM
نعم كنَا كعرب (مسلمين ومسيحيين) بحاجة إلى هذه الصدمة من الرئيس ترامب، لنعيد الأمور مرة أخرى إلى نصابها الصحيح و وجهتها الأصيلة. لقد أخذتنا أمريكا خلال ربع القرن الماضي إلى متاهات و مؤتمرات و أطر سلام زائفة مع عدو متحفز دائماً لساعة الصفر التي يعرف توقيتاتها بدقة، و قد استطاعت أمريكا بدعم كامل من إسرائيل أن تزعزع العالم العربي و تقسمه إلى الوضع الشائن الذي نحن جميعاً نغوص في أوحاله حالياً.
كانت البداية عام 1990،عندما احتل العراق في عهده السابق دولة عربية ذات سيادة و هي دولة الكويت. عند هذا المنعطف كرّت المسبحة العربية و انفرط عقدها، و تداعت علينا الأمم و أصبح لا قيمة حقيقية للأمة العربية منذ ذلك التاريخ. و التسلسل الذي نعرفه جيداً بعد ذلك خير دليل على ما أقول.
و للتدليل فقط على الكوارث التي أصابت جسد الأمة خلال هذه الفترة، أقول أنها كلها من صنع دولة واحدة (أمريكا) تدعمها بالخفاء الدولة صاحبة العلاقة (إسرائيل)، و هي على سبيل المثال :- مؤتمر السلام الأول، اتفاقيات السلام الثنائية، أحداث 11سبتمر، احتلال العراق، الربيع العربي، خلق داعش و المنظمات الإرهابية الأخرى، تقسيم و محاولة تقسيم بعض الدول العربية، الخلافات العربية العربية الكثيرة و الخلافات الإقليمية إلى أن وصلنا إلى تحويل البوصلة باتجاه إيران باعتبارها العدو الأول للعرب و ليس إسرائيل.
و الآن ظهرت الحقيقة كاملة، فصحيح أنها جاءت من رئيس أمريكي متصهين و متهور لكنها كشفت أوراق اللعبة بكل الزيف الذي عشناه ردحاً طويلاً من الزمن.
لمواجهة كل ذلك، أرى أن يتم اتباع الخطوات التالية:
أولاً: إقامة دعوى قضائية ضد قرار الرئيس ترامب داخل الولايات المتحدة نفسها، يتولى أمرها فريق من المحامين الفلسطينيين و العرب و الدوليين بما في ذلك الأمريكان الأحرار أنفسهم، و بعدد بحدود المائة محامي المشهود لهم بالكفاءة و الاقتدار في القضايا الدولية.
و الهدف هو إلغاء قرار الرئيس ترامب باعتباره يعرض الأمن و السلم الدوليين للخطر، و إن ما فعله لا يعدو كونه أمراً شخصياً ناتجاً عن وعود انتخابية و لإرضاء اليمين المتطرف الصهيوني الحاكم في إسرائيل، و باعتقادي إذا استطاع هذا الفريق أن يقدم الحجة و الدفاعات المناسبة، سيكسب القضية و يلغي القرار بأسرع وقت ممكن.
ثانياً: دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للانعقاد لأخذ قرار أممي مضاد لقرار ترامب لأنه لا فائدة من عرض الأمر على مجلس الأمن الذي تملك فيه أمريكا حق النقض (الفيتو).
ثالثاً: حل الخلافات العربية جميعها دفعة واحدة و أقصد بذلك الخلاف الفلسطيني الفلسطيني و الخليجي الخليجي و الليبي الليبي، و وقف جميع الحروب التي تكون الدول العربية طرفاً فيها. و لا شك أن المكان الطبيعي لحل هذه الخلافات هو الجامعة العربية.
رابعاً: حل الخلافات الإقليمية، و أقصد تحديداً عودة العلاقات العربية الإيرانية إلى سابق عهدها. فأكثر ما يراهن عليه الإسرائيليون هو زيادة حدة التوتر بين الدول الإسلامية و خصوصاً إيران، التي أصبحنا ننظر إليها كعدو أول بدلاً من إسرائيل. و في الحقيقة إن إيران ليست عدواً لنا، بل إن عدونا الأول كان و سيبقى وحده لا يتغير بتغير الزمن و هو إسرائيل، التي تحتل الأرض العربية و تعلن شريكتها في العدوان أمريكا، أقدس بقعة في العالم العربي وهي القدس عاصمة لدولة الاحتلال. فقد حان الوقت الآن لتصحيح المعادلة.
نعم، إيران لها أطماع و تركيا لها أطماع، حتى روسيا لها أطماع، لكنها تبقى أطماعاً و طموحات في الإقليم و الثروة، يمكن احتوائها بكثير من التروي و التعقل و الوحدة، لكنه لا يمكن وصف تلك الدول بأنها عدوة، و أعتقد أن المكان الطبيعي للمصالحة الإقليمية هو في المؤتمر القادم للقمة الإسلامية في اسطنبول و التي دعا لها الرئيس أردوغان مؤخراً.
رُبّ ضارة نافعة، حيث إن استطعنا أن نستعيد الجزء المهدور و الكبير من كرامتنا و عزنا و مجدنا بعد هذا الزلزال الذي رماه ترامب في وجوهنا فنكون قد فوتنا الفرصة أمام الجميع و أصبحنا قوة لا يستهان بنا و أعدنا جزءاً من تراثنا و ثقافتنا و اقتصادنا لنا و للأجيال القادمة و لربما للمرة الأخيرة في هذا الزمن اللئيم.
خامساً: لقد أثبتت الشواهد أن الوقفات الاحتجاجية و الخطب العصماء و المظاهرات الرنانة لا تغير من المشهد شيئاً. لذلك أدعو أن تكون تلك المظاهر في حدها الأدنى والذي يدعم الأفكار السابقة فقط.
إن سر قوتنا في اتحادنا و وحدتنا و سر هذه القوة فيما نفعل و ليس فيما نقول. يجب أن يكون فعلنا أقوى بكثير من قولنا في هذه المرحلة الحساسة و الدقيقة من حياة الأمة. فقد أضعنا كل الوقت في الكلام و لم نفعل شيئاً.
و قد انتهى المشهد العربي بأن وجدنا الكثير من حكامنا صرعى و قتلى في الشوارع و الميادين و في الزنازين و خلف القضبان و معهم المليارات التي نهبوها من ثروات شعوبهم زوراً و بهتاناً.
أتمنى فعلاً أن نكون قد تعلمنا الدرس هذه المرة و أن نضع جميع خلافاتنا وراء ظهورنا و أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام سالكين المسالك العقلانية و القانونية لنصل إلى بداية الطريق الذي يوصلنا إلى أهدافنا الصحيحة.