القدس بين الكنيست والكونجرس .. بين بن غوريون ومناحيم بيغن وترامب
الدكتور موسى الرحامنة
07-12-2017 12:06 AM
أبلغ الرئيس ترامب وبكل وقاحة، الزعماءَ العرب عزمه المضي قدماً في نقل السفارة الامريكية الى القدس، وكأن لسان حاله يقول ها أنا قد أبلغتكم، ويأتي قرار ترامب هذا إستكمالاً لخطوات بدأتها الادارة الامريكية مبكراً وأكدت فيها الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فضلاً عن السياسة الامريكية منذ منتصف القرن الماضي والتي لم تكن يوماً الى في صف إسرائيل، ولعل هذا يشكل تناقضاً في السياسة الامريكية ويعد نسفاً لكل مبادرات السلام التي كانت تقف الادارة الامريكية ورائها منذ تسعينات القرن الماضي، وبات الحديث عن السلام المزعوم مجرد كذبة أمريكية إسرائيلية كبرى .
إن قصة إعتبار القدس عاصمة لإسرائل ليست وليدة اليوم، ففي 13 ديسمبر كانون الأول 1949 كان رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون قد تقدم بطلب رسمي للكنيست الإسرائيلي لعقد جلساته في القدس، وبعد إقرار الطلب انتقل البرلمان الإسرائيلي إلى القدس، أما السفارات الأجنبية لدى إسرائيل فبقيت في تل أبيب حيث رفض معظم الدول الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل.
وفي نوفمبر 1949 طرح مناحيم بيغن وكان نائباً في الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل رسميا، وبالحدود التي رسمتها سلطات الانتداب البريطاني، بما في ذلك القسم الخاضع للسيطرة الإردنية كعاصمة الدولة الدائمة، ونقل المؤسسات الرسمية إلى غربي المدينة، وقد رفض الكنيست هذا المشروع واكتفى بنقل مقره إلى القدس دون سن قانون بهذا الشأن .
وبعد الإحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية خلال حرب 1967، اصدرت الحكومة الإسرائيلية أمرا بفرض القانون والقضاء الإسرائيليين على ما مساحته 70 كم مربعا تشمل أراضي البلدية الأردنية وبعض القرى المجاورة للقدس وضمت الحكومة الإسرائيلية هذه الأراضي إلى بلدية أورشليم القدس الإسرائيلية.
وعلى أثر هذه الخطوات الاسرائيلية، قامت بعض الدول بنقل سفارتها لدى إسرائيل إلى غربي القدس دون اعتراف رسمي بالقدس أو بجزء منها كعاصمة لإسرائيل، وقبل نهاية عام 1980 بلغ عدد الدول التي نقلت سفاراتها الى القدس 13 دولة وهي : هولندا، ، بوليفيا، تشيلي، كولومبيا، كوستا ريكا، جمهورية الدومنيكان، السلفادور، إكوادور، غواتيمالا، هايتي، باناما،الأوروغواي وفنزويلا.
في 2001 أضاف الكنيست بندا للقانون يقول إن حدود مدينة القدس هي الحدود الواردة في الأمر الحكومي الصادر في يونيو 1967 وإنه من الممنوع نقل صلاحيات السلطات الإسرائيلية في القدس لأي عنصر سياسي أجنبي.
وبتاريخ 20 اغسطس عام 1980 اصدر مجلس الامن الدولي قراره رقم 478 والذي يرفض بموجبه قانون القدس الإسرائيلي واعتبر تطبيق هذا القانون خرقا للقانون الدولي وأعلن المجلس الأمن ان هذا القانون باطلا من الناحية الدولية، ودعى إسرائيل إلى إلغائه ووجه دعوة الى الدول التي أنشأت سفاراتها لدى إسرائيل في القدس إلى إخراج السفارات من المدينة فوراً .
ونتيجة لقرار مجلس الأمن السابق فقد انصاعت هذه الدول الى هذا القرار وقامت بنقل سفاراتها خارج مدينة القدس.
وفي عام 1995 أصدر الكونغرس الأمريكي قانونا يعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل، ويدعو الرئيس الأمريكي إلى نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس، ولكن هذا القانون يسمح للرئيس الأمريكي بتأجيل تطبيقه كل 6 أشهر، وهذا ما فعله الرؤساء الأمريكان منذ 1995 إلى هذا اليوم.
ولكن فيما يبدو أن ترامب اليوم سيسجل سابقة عجز عنها الرؤساء السابقون، حين أعلن عزمه وبلا تردد عن نقل السفارة الامريكية الى القدس كإستجابة لقانون الكونجرس الذي اعطاه مثل هذا الحق متجاوزاً مهلة التأجيل الذي منحه القانون إياها .
إن المتتبع للسياسة الامريكية حيال القدس، سيجد قطعاً أن الادارة الامريكية قد وقفت بكل صلف وغرور مع اسرائيل في كل إجراء إتخذته في تهويد مدينة القدس وتغيير معالمها المادية والجغرافية والقانونية.
فمنذ عام 1947 إنتهجت الولايات المتحدة الامريكية تجاه القدس سياسة داعمة ومؤيدة لاسرائيل ولم تبدِ أيّ إهتمام من اجل مستقبل القدس وحماية الاماكن المقدسة ، بل اسرفت في تقديم الخدمات السياسية والعسكرية والمالية لهذا الكيان الغاصب، فأي عدالة يمكن أن ننشدها من هذا الحليف القذر الذي لا يرعوي لمشاعر المسلمين ادنى تقدير، وهم يرونه يُسْلمُ قيادَه لإسرائيل ويعلن الاعتراف بالقدس عاصمة له وينفذ ذلك على الارض .
ان اسرائيل تحصل مع طالع كل شمس على مباركة ودعم الولايات المتحدة لتستمر في احتلال وتهويد القدس والمناطق العربية الأخرى، رغم إدانة هذه الأعمال من قبل الرأي العام العالمي، وهذا ما يؤكد ان الموقف الامريكي تجاه مسالة القدس هو موقف متصهين منحاز للجانب اليهودي بشكل كامل وهو ما شجّع إسرائيل على التعنت والرفض التام للسيادة الفلسطينية على القدس.
ويتضح سلوك الولايات المتحدة وموقفها حيال القدس من خلال تصويتها على قرارات الأمم المتحدة منذ ستينات القرن الماضي، وهو السلوك الذي ما كان يوماً الى داعماً للمارسات اللاشرعية لإسرائيل تجاه مدينة القدس، فقد تغيبت عن التصويت، أو صوتت ضد قرارات تدين إسرائيل ، ففي الاجتماع الخامس الطارىء للجمعية العامة في 17 حزيران 1967 الذي عقد للبحث في الوضع الذي برز من خلال الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية بما فيها القدس وغزة والجولان وسيناء، عارضت الولاليات المتحدة إدانة اسرائيل كدولة معتدية وعارضت ايضاً قراراً يدعو لإنسحابها الفوري وغير المشروط .
إن هذا الدعم السياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، قد ترجمته عملياً من خلال القرارات التي طرحت للتصويت في أروقة الأمم المتحدة، فقد وقفت بوجه القرار الذي إتخذه مجلس الأمن ضد اسرائيل بشأن عدم شرعية المستوطنات في القدس، واستخدمت حق النقض، بل أن حكومة الولايات المتحدة إستنكفت عن قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 2253 و 2254 في 4 و14 يوليو 1967 اللذان يدعوان إسرائيل الى الغاء الاجراءات التي اتخذتها لتغيير الوضع القانوني في القدس، وصوتت كذلك ضد قرار الجمعية العامة 2851 الصادر في 20 ديسمبر 1971 الذي أعلن أن كل الاجراءات المتخذة من قبل اسرائيل للاستيطان في المناطق المحتلة بما فيها القدس لاغية وباطلة، وصوتت كذلك ضد قرار الجمعية العامة 3005 في 15 ديسمبر 1972 الذي أعلن ان كل الاجراءات المتخذة من قبل اسرائيل والمخالفة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 اغسطس 1949 للاستيطان في المناطق المحتلة بما فيها القدس لاغية وباطلة، واستنكفت أيضاً عن دعم قرار الجمعية العامة رقم 32/5 المؤرخ في 23 اكتوبر 1977 الذي لام اسرائيل في اقامة المستوطنات ودعاها الى التوقف عن تغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية والتركيب السكاني لعرب المناطق المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس، واستنكفت عن قرار مجلس الامن 446 الصادر في 22 مارس 1979 الذي يدعو إسرائيل الى الغاء الاجراءات التي اتخذتها لتغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية والسكانية للمناطق العربية المحتلة بما فيها القدس، وحين صوتت الولايات المتحدة في 1 آذار عام 1980 لصالح قرار مجلس الأمن الذي أدان المستوطنات الاسرائيلية وطالب بفكها، فقد قوبل هذا بالإنكار الشاذ من قبل الرئيس كارتر، فيما كان يبدو إيحاءً على قبول الاستيطان الاسرائيلي اللاشرعي في القدس، واستكنفت الولايات المتحدة كذلك عن قرار مجلس الامن 476 الصادر في 30 حزيران 1980 الذي وجه اللوم لإسرائيل في تغيير الشخصية المادية والبناء العمراني ووضع مدينة القدس، وأعلن بطلان وعدم مشروعية الإجراءات الاسرائيلية في هذا السياق.
إن هذا السلوك الامريكي تجاه قرارات الأمم المتحدة بخصوص مسالة القدس كان موضع انتقاد حاد بسبب غياب النزاهة والانحياز الكلي لاسرائيل، فلقد ثبت أن الأمم المتحدة عاجزة ان تقنع اسرائيل وقف ضمها القسم الشرقي لمدينة القدس، وقد نسب فشل الامم المتحدة هذا الى غياب الدعم الصادق من قبل الولايات المتحدة ووقوفها ضد العدالة الانسانية، فقد تعسّفت الولايات المتحدة باستخدامها حق النقض الفيتو ضد قضية العرب المركزية ودعمت كل جهد إسرائيلي تقوم به في الاراضي المحتلة.