وجدت جهات عديدة عندنا في الأردن وفي دول عربية وقتاً، لتشن حملة ضد «عيد الحب »، الذي صادف السبت الماضي 14 شباط/فبراير الجاري. حتى إنه تم دهن حمار باللون الأحمر لبث رسالة مفادها أن العشاق حمير، أما العنف المجاني والكراهية المجانية، فهي..مرجلة وعين الحكمة، وذلك خلافاً لتراث عربي وإنساني مديد ومتصل، يمجّد هذه العاطفة البشرية النبيلة.
علماً، وعلى سيرة الحمار المدهون بالأحمر، فإن عاطفة الحب تربط بين الحيوانات أيضاً لا البشر وحدهم. هناك على سبيل المثال ما يعرف ب «طيور الحب ». وهناك القردة التي تتبادل هذه العاطفة أمام مرأى الناس في حدائق الحيوان.
المناسبة مستوردة، صحيح. وكذلك عيد الأم وعيد الأسرة، وعيد العمال، كما لاحظ الزميل جميل النمري. ينبغي البحث عمّا هو غير مستورد في حياتنا، لا ما هو مستورد، ف «الصنف » الأول أقل بما لا يقاس من الثاني. ولم تكن حياتنا بما في ذلك حياة الأكثر تشدداً وانغلاقاً بيننا، قد تقدمت لولا «المستوردات »التي تعز على الحصر. مع ذلك، ليس من الضروري ولا الواجب استيراد كل شيء وأي شيء. بما في ذلك ما يُعرف ب «عيد الحب .» شريطة أن يكون لدينا بديل محلي أو وطني لهذه «البدعة » أو غيرها. وعلى علم من يكتب هذه الكلمات، فليس لدينا مناسبة خاصة تمجد وترفع من شأن المحبة بين البشر. لدينا عصبيات ترفع حواجز صفيقة )سميكة( بين البشر. وهناك مشاجرات تتم لأسباب تافهة تسيل فيها الدماء وتزهق الأرواح. ولدينا جرائم دورية تستهدف الإناث حصراً، ويقضي القانون بسجن القتلة ستة أشهر.. يا بلاش. بإمكان القارىء أن يستعيد ويراجع منذ السبت الماضي حتى اليوم الخميس، سلسلة جرائم وأعمال عنف، وقعت بالتساوق مع تتفيه هذه المناسبة الغربية المنشأ، التي تمجد ما يسمونه..
الحب. مع ذلك فإن المعترضين على هذه البدعة يطربون أول ما يطربون، لأم كلثوم، وعبدالوهاب، وعبدالحليم، وفريد، وفايزة أحمد، ونجاة الصغيرة، ووردة. أما قائمة المطربين والمطربات اللاحقة، فليست بحوزة كاتب هذه السطور. تسعة وتسعون بالمئة من أغاني هؤلاء ممن ينتمون للقائمتين: القديمة والجديدة، التي تنال الإعجاب الجماهيري الساحق، تدور حول ما يسمى.. الحب.
لا يستشعر المعترضون تناقضاً بين ترديد الأغاني العاطفية والافتتان بها، وبين التطيًر من سماع كلمة الحب، حين يتم تداولها في يوميات حياتنا غير ملحنة وغير مغناة. بعض المعترضين يعتبر أن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتحديات السياسية، تملي تجاهل مثل هذه المناسبة التافهة. لكنهم يلتفتون اليها عملياً، ولو من موقع المخالفة والإنكار.
على هذا النحو يتم طرد قيم نبيلة من حياتنا، واستبدالها بمفاهيم أخرى مستمدة من تعظيم الذكورة: العنف، ازدراء القوانين،الهزء من النساء والأطفال و «الأغراب » والعمل اليدوي، وهنا يتبدى مبلغ ما بلغناه من «رقي وتقدم » خلال نصف قرن.
السجل.