إمكانات الأمة والدفاع عن القدس
د.نبيل الشريف
06-12-2017 07:18 PM
أصر الرئيس الأمريكي ترامب على عدم الإستماع إلى نصائح جلالة الملك التي سمعها منه عدة مرات طوال الشهور، ومضى قدما في قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس. وسيوف يدرك ترامب إن عاجلا او آجلا أنه الخاسر الأكبر بعدم الأخذ بنصائح وتحذيرات جلالته في هذا الموضوع ، فالملك يمتلك المعرفة الكاملة بحقائق الصراع وطبيعته والتداعيات المحتملة والمرتقبة لأية قرارات أو خطوات يمكن أن تتخذ.وسيتحمل ترامب وإدارته تبعات هذا القرار المتهور الذي سيدخل المنطقة والعالم في دوامة من العنف وعدم الإستقرار لايعرف الا الله منتهاها.
لقد بذل جلالة الملك ، بإعتباره صاحب الوصاية الهاشمية على القدس ، جهودا خارقة طوال الشهور الماضية للحيلولة دون إتخاذ هذا القرار. وليس سرا أن جلالته زار الولايات المتحدة في الأسابيع الأولى وحرص على لقاء ترامب على هامش إحدى المؤتمرات وبشكل غير رسمي حتى يوضح له خطورة تنفيذ وعده الإنتخابي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس ، ويبدو أن جلالته لم يشأ الإنتظار إلى موعد زيارته الرسمية للولايات المتحدة والتي حدثت بعد ذلك بأسابيع خوفا من أن يسارع ترامب لإتخاذ قراره تحت ضغط اللوبي الصهيوني. وليس سرا أيضا أن أحد أسباب توتر العلاقة الأردنية الإسرائيلية هو معرفة إسرائيل بالطرح المتوازن من قضايا المنطقة والعالم الذي يحرص جلالة الملك على إيصاله إلى الرئيس الأميركي. ولكن ضغط اللوبي الصهيوني الموجود في الحلقات الضيقة المحيطة بالرئيس لم يتوقف إلى أن إتخذ ترامب قراره.
إن خطورة هذا القرار تكمن في أنه "يشرعن" ضم إسرائيل للقدس الشرقية مع أنها وفقا لكل القرارات الدولية ذات العلاقة مدينة محتلة ولايجوز للقوة التي تحتلها أن تغير وضعها القانوني والإداري تحت أي ظرف.
ومن الضروري توجيه سؤال حول الغاية من إتخاذ هذا القرارالذي لايخدم المصالح الأميركية في نهاية المطاف. فهل من مصلحة أميركا أن تستعدي مايقرب من مليار ونصف مسلم وتحويلهم إلى طاقة معادية للولايات المتحدة ؟ وماهي المكاسب التي ستعود على أميركا من جرح مشاعر المسيحيين العرب في فلسطين والمشرق الذين شعروا اليوم أن حقوقهم ومقدساتهم قد إستبيحت بهذا الإعتراف الأميركي المتهور بالإجراءات غير الشرعية وغير القانونية التي إتخذتها إسرائيل في القدس المحتلة ؟
إن قضية القدس قضية فلسطينية وأردنية ولكنها أيضا قضية عربية إسلامية وإنسانية ، وهي تخص أيضا كل المدافعين عن قيم العدالة في العالم أجمع.
وإذا كان العالم العربي يعيش الأن ظروفا ضاغطة جعلت كل قطر عربي ينكفأ على ذاته لمداواة جراحه ، فليس صحيحا أن بلادنا العربية لاتمتلك أية أوراق للضغط على الولايات المتحدة للعودة عن هذا القرار المتهور الذي أفقد أميركا أهليتها لتكون وسيطا محايدا في قضية سلام الشرق الأوسط وأحبط حل الدولتين الذي يستند إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.
ليس صحيحا أن العرب بلا أوراق ضعط ، إذ أن مجرد التلويح مثلا بتعليق بعض العقود الموقعة بين أميركا وبعض الدول العربية الشقيقة بمبالغ مالية ضخمة من شأنه أن يجعل أميركا تفكر ألف مرة قبل إتخاذ هذه الخطوة. ولأن القدس قضية كل العرب والسلمين ، فمن الضروري توظيف القدرات الإقتصادية الهائلة لكثير من الدول العربية الشقيقة في خدمة المصالح العربية ، وعلى رأسها قضية القدس. فإذا لم تستثمر مقدرات العرب قي هذه القضية المفصلية فمتى توظف ، ومافائدة هذه المقدرات؟!
أما النقطة الأخرى التي تجدر الإشارة إليها في هذا الصدد فهي أننا في الأردن نقف صفا واحدا خلف جلالة الملك ، فكلنا متفقون – على المستويين والشعبي – على أن ماحدث يعد عملا متهورا من شأنه أن يدخل المنطقة والعالم إلى نفق مظلم من العنف وعدم الإستقرار. ولكن صفنا الداخلي سيبقى موحدا ، فمعركتنا ليست في الداخل لاسمح الله. أما التعبير السلمي عن الغضب ورفض هذه الخطوة فهو من الحقوق الدستورية الراسخة ولكننا – في الوقت نفسه – حريصون كل الحرص على أمن بلدنا وإستقراره ، ولانقبل أي توظيف سياسي لقضية القدس لأغراض حزبية ضيقة أو لتحقيق مكاسب آنية لهذا الفريق أو ذاك.