عمون - خاص - إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس من تل أبيب ليس بذلك الحدث الجلل على الصعيد العملي فلا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها ، و لا يضير الفلسطينيين و العرب بعد ضياع فلسطين كلها من البحر إلى النهر و بناء مئات المستوطنات في كل زاوية و على كل تلة من تلال فلسطين و إحراق المسجد الأقصى أن تكون سفارة أمريكا في القدس أم تل أبيب أم بيسان أو غيرها ، غير أن الرمزية التي تريد أن تؤشر بها الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الخطوة هي تذكير الفلسطينيين و العرب بخيبتهم و عجزهم و هوانهم على الناس.
نقل السفارة الأمريكية إن تم فهو ليس إلا حلقة في مسلسل إذلال العرب على أيدي أمريكا الحليف الذي كلما أذلنا كلما ازددنا تعلقا به ، و كلما شتمنا تقربنا إليه أكثر و أرسلنا له العطايا و المنح و كلما ناصر إسرائيل علينا كلما تفهمنا مواقفه و تابعنا مشوار حبنا له و غرامنا به ، و قبله الرئيس بوش قال أنا ذاهب في حرب صليبية جديدة لغزو العراق و قبله حينما احتلت إسرائيل القدس دخل اليهود إلى الأقصى و التسجيل موجود و موثق و هم يهتفون " محمد مات خلف بنات ، محمد يلعن .... ) و كانوا يشتمون الذات الإلهية و الدين الإسلامي ، و مثل هذا كثير جدا من الوثائق التي تؤكد ازدراء الزعماء الأمريكيين و البريطانيين للإسلام و المسلمين.
كل هذا و بعض العرب يعقدون مؤتمرات إسلامية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و يقيمون تحالفات عسكرية مع أمريكا لذبح بعضهم بعضا و لا يقفون موقفا موحدا و لو مرة واحدة في تاريخنا الحديث لنصرة شعوبهم ، لنصرة أنفسهم ، لنصرة الله ، مرة واحدة ، الأتراك و الملك سافر اليوم إلى تركيا فتح الله عليه و ألهمه الحكمة ، الأتراك حلفاء أكثر من العرب ألف مرة للولايات المتحدة الأمريكية و هم عضو في حلف الناتو و مع هذا حينما وجدوا أن الولايات المتحدة تتآمر عليهم بدعم الأكراد في سوريا و العراق ، و تتآمر عليهم مع الانقلابيين قلبوا لأمريكا ظهر المجن و ذهبوا إلى أقصى اتجاه معاكس و اشتروا أسلحة من روسيا و تحالفوا معها و تناسوا كل الخلافات مع إيران و تحالفوا معها و وقفوا مواقف مؤثرة جدا حينما تحدو أوروبا و أمريكا معا بالعقل و الحكمة طبعا و لكن بالحزم أيضا ، و نجحوا في ذلك نجاحا يحسدهم عليه كثيرون.
الأتراك أرسلوا الرسالة الأقوى و الأكثر تهديدا لأمريكا فيما لو أقدمت على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، و المواقف العربية على اختلاف قوتها لم تصل إلى المستوى التركي أو الإيراني ، نعلم أن حجم الأردن و موقعه الجيوسياسي يدفعه للخوف من اتخاذ خطوات حاسمة تجاه إسرائيل و أمريكا خاصة و هو يرى تخاذل الأشقاء في دعمه ماديا و هو في ضائقة عظيمة تكاد تعصف به فكيف يمكن أن يتوقع دعما سياسيا و دبلوماسيا و عسكريا فيما لو اتخذ مواقف أكثر تشددا ، و لكننا في نفس الوقت نعلم و يعلم العالم أجمع أن المقدسات التي كانت عهدة عمرية صارت عهدة هاشمية و بالتالي فإن الأردن يجب أن يكون له مواقف حاسمة و قوية و ربما تكون اللحظة مناسبة أن ينعطف الملك بنا انعطافة نحو اتجاه أخر غير الاتجاه البريطاني الأمريكي الذي لا فائدة ترجى منه ، فنحن مسافرون منذ أكثر من سنتين عاما للمحطة الأمريكية البريطانية و لا يلوح في الأفق أي بوادر توحي بالوصول إلى تلك المحطة و كأننا نسافر في منتصف اللاشيء ، و بروح اللامعقول.
إن التحالف مع الروس و الأتراك و الإيرانيين أشرف ألف مرة من التحالف مع أمريكا فقد أذلتنا أمريكا سياسيا و اقتصاديا و دبلوماسيا و لا نأخذ منها إلا كلاما معسولا و تروغ منا كما يروغ الثعلب ، ربما حان الوقت لتوبيخ إسرائيل و تحذيرها من مغبة الاستمرار في لعبة الاستكبار و التطاول ، فمهما استكبرت تبقى إسرائيل الصغيرة التي لو فتحت الأبواب أما شباب العرب لحرروها بأيام أو ساعات و إسرائيل تعلم ذلك كما يعلمه القاصي و الداني .
إن موقفا أردنيا قويا بعد التنسيق مع الأتراك و الروس و الإيرانيين و بعض الدول الإسلامية سيعيد الألق لموقفنا و وطننا و يعيد احترامنا لذلتنا ، و الشعب الأردني متضايق جدا من الفقر و الضنك و العوز و ربما الجوع و لكنه سيقبل بطيب خاطر أن يصطف مع الملك و خلفه في موقف أردني عربي إسلامي مشرف يسجل لنا جميعا بأحرف من نور عند الله و عند خلقه ، و أنا متأكد أن إسرائيل اقل من أن تعتدي على الأردني و أضعف من أن تغامر بتهديدنا إذا ما امتلكنا موقفنا القوي الذي يعيد ترتيب الأوراق في المنطقة من جديد و مرة أخرى تركيا أمامنا مثال واضح لمن أراد أن يعرف كيف تفهم أمريكا و أوروبا و بأي لغة.
قبل أن أغادر اليهود لا خلاق و لا عهد لهم و اقرؤوا التاريخ كله وسيجيبكم من هم اليهود.
كلنا خلف الملك .. كلنا مع الحاكم العربي الاسلامي الذي يكاد يقف وحيدا للدفاع عن قدس الاقداس ..