الكهرباء تشحن الأجواء النيابية
فهد الخيطان
06-12-2017 02:47 AM
كان معلوما للجميع أن مشروع قانون الموازنة العامة بما فيها من أثقال لن يمر دون مواجهات ساخنة تحت قبة البرلمان. وقد مهدت الحكومة منذ شهرين تقريبا لكسب أكبر دعم ممكن لبرنامجها الاقتصادي، ونجحت في تحقيق اختراقات ليست قليلة حتى في أوساط المعارضين لنهجها الاقتصادي.
لكن مفاجأة غير سارة تمثلت برفع أسعار الكهرباء عكرت المزاج النيابي لا بل عصفت فيه، فقد شعر نواب الموالاة قبل المعارضة أن الحكومة تجور عليهم أكثر من اللازم، وتحملهم أعباء شعبية فوق طاقتهم، ولهذا السبب كان رد الفعل عنيفا، وتمخض عن توقيع مذكرة نيابية من أغلبية أعضاء المجلس، ترهن مناقشة الموازنة وتمريرها بتراجع الحكومة عن رفع الكهرباء وإعادة النظر بتسعيرة الكاز الشهرية. ولتأكيد جدية الموقف النيابي قررت اللجنة المالية في المجلس تعليق اجتماعاتها لمناقشة مشروع قانون الموازنة لحين تسوية أزمة الكهرباء.
أدركت الحكومة أنها أمام مأزق، وأن القرار الفني برفع أسعار الكهرباء افتقر للحس السياسي والتوقيت المناسب. فكانت مبادرة الوزير ممدوح العبادي بجمع قيادات النواب برئيس الوزراء على غداء في بيته أول من أمس للبحث عن مخرج ومداواة جرح الكهرباء الذي صعق النواب.
انتهى الغداء بلقاء حكومي نيابي في قاعة الصور بمجلس النواب أعلن خلاله عن حل وسط يقضي باستثناء شريحة من المستهلكين من زيادة الكهرباء وتعويض متلقي المعونة الوطنية عن رفع الكاز.
لم يرض الاتفاق جميع النواب واستمر السجال الساخن حتى يوم أمس، ولم تتمكن اللجنة المالية في المجلس من عقد اجتماعها المقرر لمناقشة مشروع الموازنة.
لكن المؤكد أن زخم المذكرة النيابية سيخبو قليلا مع انسحاب عدد من الموقعين، إلا أن عديد النواب سيتمسكون بموقفهم ولن يكون أمامهم إلا القبة لمنازلة الحكومة، واستنزافها قبل إقرار الموازنة.
الأولوية بالنسبة للحكومة هى إقرار الموازنة في أسرع وقت ممكن، وخفض التوتر مع النواب قدر المستطاع لضمان أفضل نتيجة ممكنة. إزاء ذلك تصبح الكهرباء تفصيلا يمكن المساومة عليه وتأجيله لمزيد من البحث والتشاور مع لجنة الطاقة النيابية، وإعادة دراسة متوسط أسعار النفط خلال المرحلة المقبلة لاتخاذ القرار النهائي بشأن الكهرباء.
لقد واجهت حكومة عبدالله النسور أزمة مماثلة مع النواب عندما قررت رفع أسعار الغاز في ذات الوقت الذي عدلت فيه رسوم ترخيص السيارات، وأمام موجة الاحتجاج النيابي اضطرت للقبول باقتراحات رئيس المجلس عاطف الطراونة بتثبيت سعر إسطوانة الغاز وتعليق العمل بتعليمات ترخيص المركبات ومراجعتها، وللمفارقة جاء هذا المخرج أيضا بعد غداء للطرفين في منزل الدكتور ممدوح العبادي قبل أن يكون وزيرا في الحكومة.
لم تخسر الحكومة شيئا حينها، فقد حملت الزيادة في سعر الغاز لمشتقات نفطية وكان المردود أعلى مما كان متوقعا من رفع إسطوانة الغاز.
ينبغي على جميع الأطراف، خاصة أصحاب القرار في الحكومة أن يدركوا بأننا نمر بمرحلة انتقالية صعبة، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وعبور هذه المرحلة بأقل الخسائر يتطلب مقاربات ذكية لتخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي، واستيعاب حالة الغضب، وإدارة العلاقة مع النواب والنخب العامة بحذر شديد لتجنب الصدام أو التأزيم.
لا يزيد عمر حكومة الملقي على العامين، ومع ذلك راكمت من الخبرة مع الأزمات مالا يستوجب وقوعها بسوء التقدير.
الغد