لم يثبت الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، على موقف واحد، خلال السنين الفائتة، فهو الذي تقلب في مواقف كثيرة، تارة ضد الحوثيين، وتارة معهم، تارة يُصّعد من مواقفه ضد دول عربية، وتارة يحاول ان يسترضيها، من موقف الى موقف مناقض للأول، حتى دفع الكلفة النهائية.
حاز كل الالقاب، من الالقاب العسكرية، الى السياسية، وصولا الى الرئيس المخلوع، ثم الرئيس المقتول، وبلا شك، كان لاعبا اساسيا في المشهد اليمني، لم يستسلم ببساطة لمحاولة اخراجه من الحكم، في اليمن، وقفز على كل الحبال.
هو ذات الرئيس الذي ادخل الحوثيين الى صنعاء، وتواطأ مع الحوثي وجماعته، عاقدا تحالفا كبيرا مع الحوثيين، في وجه معادلات كثيرة، ثم عاد وانقلب على الحوثيين، بعد كل هذه السنين، الذين اطلقوا قبل يوم واحد من مقتله، تهديدات بقتله، وهو ماتم فعليا.
مقتل علي عبد الله صالح، سيكون له تداعيات كثيرة، ابرزها الارتداد القبلي، على صعيد اعتبار قبيلته ومن يحالفها من قبائل، ان هذه عملية غدر؛ ما سيؤدي الى عمليات انتقام، وتجدد للمذابح في صنعاء، فنحن امام فترة سيئة للغاية مقارنة بغيرها، من فترات، اضافة الى حاجة هذا الفريق السياسي الى بديل عن صالح، الذي قد يكون نجله احمد، او اي شخصية اخرى، ومع هذا فإن مقتله سيؤدي الى مواجهات بين كل الفرقاء في صنعاء، من اجل حسم المشهد كليا، ما يعني ان اليمن على موعد مع ايام صعبة، اكثر من الايام التي مرت خلال السنين الفائتة.
لعل السؤال الذي يطرح نفسه، يتعلق بكيفية تمكن الحوثيين من قتله، وهو على ما يفترض لديه حمايات خاصة، ويعرف انه مهدد من الحوثيين وغيرهم، وهذه العملية ايا كانت تفاصيلها، فهي تثبت اما حدوث خرق لامنه، وإما ان الحوثيين تمكنوا من تحقيق تسلل كبير الى صالح، وقتله، من اجل الانتقام، ومن اجل هز الروح المعنوية لفريقه؟.
بلاشك ان قتل صالح، كان موجها الى شخصه، والى فريقه، والى العالم العربي، الذي رحب بتغير موقفه، وغفر له كل ذنوبه السياسية وتقلباته خلال الفترة الماضية، فالحادثة ليست فردية، بقدر كونها حادثة لها رسائل سياسية على المستوى المحلي والعربي والاقليمي والدولي.
كل هذا لا يلغي الحقيقة التي تتحدث عن الرئيس اليمني الاخر والمعترف به دوليا، عبد ربه منصور هادي، الذي امر قواته بالتحرك نحو صنعاء، فلا يمكن لهذا الفريق، ان ينشغل كثيرا بمقتل صالح، وهو الذي كان يعتبر صالح رئيسا غير شرعي، ومتحالفا مع الحوثيين، لكن الامر بالتحرك ايضا الى صنعاء، يعني ان فريق هادي يدرك ان الاوضاع في صنعاء، غير مستقرة، وان حادثة القتل، ستؤدي الى تأليب قوى كثيرة، ضد الحوثيين، وفريق هادي، لن يسمح للحوثيين بجني ثمار حادثة القتل، وسيتحرك من اجل الاستفادة من المناخ المتوتر، ضد الحوثيين لاجل انهاء وجودهم.
خريطة معقدة، يدفع فيها الانسان اليمني الثمن وحيدا، ومقتل صالح، على طريقة الاعدام الميداني، الذي لا يختلف في شكله المهين عن مقتل القذافي، يقول ان السلطة في الوطن العربي، سلطة ثقيلة، اذا دامت، وثقيلة اذا رحلت، وهذا طبيعي، ما دمنا في دول، لا تعترف اساسا بحقوق الانسان، وليس لديها انظمة ولا قوانين، تضمن حتى محاكمة رئيس سابق، والتصرف معه، على طريقة العصابات عبر قتله.
نحن الان، نشهد الفصل الاكثر توترا في اليمن، وبلاشك، فإن اليمن مقبلة على ايام صعبة، سواء عبر اشتداد المواجهات داخليا، او عبر سعي كل الاطراف المحلية والاقليمية والدولية، لحصاد فروقات هذه التطورات، ونحن بلا شك لسنا امام نهاية قريبة، بل امام بداية جديدة، لحقبة في غاية السوء.
الدستور