(أن تملك ألف سبب للرحيل و لا ترحل!)
جملة استوقفتها، كانت مكتوبة على إحدى اللوحات الجدارية بلون الغروب، وهي تتمشى بكسل واضح ذاك المساء، على رصيف ميناء عجّ بالأسواق نهاية الاسبوع، كل يعرض بضاعته، فكل هؤلاء البشر قطعوا أميالا؛ ليكونوا هنا في هذه الساعة، كأنهم جاءوا محملين بكل ما أوتوا ليهبطوا بها إلى قاعها.
كانت تفتش عن أي شيء يذيب ذاك الملل الذي شعرت به من بعد يوم عمل طويل، برغم التعب و التوتر إلا أن هناك زاوية من فراغ تدبّ في الروح رغبة في التغيير، كانت مشاعرها مزيجا من غضب، فتتملص من عالمها و تهرب إلى الداخل- حالة تصيبنا كلنا وكل واحد تنتهي به إلى مطاف- .
الطقس بارد لكن معطفها كفيل بأن يدفّىء الروح فيها، غمرت كفها في جيبها وتذكرت فجأة يده، تنفست بعمق، تذكرت فأصرت على المضيّ و لسعة في القلب من اشتياق وعتب!
(أن تملك ألف سبب للرحيل و لا ترحل)
غابت عن وعي اللحظة تفكر في حروف الكلام، فأيقظتها ضحكات صبايا تجمعن عند طرف الرصيف، وعرفت أنهن يتحدثن عن فارس الأحلام، قالت لهنّ دون أن تعرفهن:كاذبون في الصدق حين نحلم نحن من شدة الصدق، ومشت تاركة وراءها ذهولا.
( أن تملك ألف سبب..) ترى من كاتب تلك العبارة وما الألم الذي طاف في صدره؟ غصّت بالكلام و رعشة البرد أطلقت دمعة هاربة من سجنها، مسحت خدها و بحركة سريعة تلفتت كي تتأكد أن لا أحد لمح لحظة الضعف الثمين الذي تناضل في مرافئه من أشهر كلما أربكتها خرائط المواعيد التي تشعبت وتاهت.
لماذا بعدما تناست عادت تقفز الأسئلة في خيالها؟ لماذا هي؟ لماذا عادت الأحرف تحفر في سرّها هوى من أحبت؟،نزار قباني قال: الحب للشجعان، وهي تقول إن أصعب اللحظات تلك التي تخفي احتياجك لتربيتٍ على كتفك فلا تجدها، وحين تذهب إن أتعبك البقاء تعيدك كل لحظة أطلت برأسها لتؤكد لك أن ما تقوله هو تماما عكس ما تفعله..فاهدأ .
صدام الكبرياء و مذاق الذكرى و شاطئ البحر و لحظات الغروب والركض و الضحك و سهر الفجر،والأحاديث و الخوف من الفقدان،و تلويحة الوداع كل مرة؛ كيف يتضاءل حجم الفرح داخلنا؟ كيف يتمرد اللابوح على البوح والإحساس؟و كيف يصبح الجمال لا يقال؟ كيف تأتي العواصف لتهز أرواحا التقت في ملامحها؟ تجفف بكاء عيون لم تبصر إلا نبض الحنين لوطن واحد!كيف و كيف و كيف نقوى أن نتخاذل مع الحب فننسحب و تتراجع لهفة السنين، و ينام الشوق و تغادر العيون إلى غربة؟
هزتها كل تلك الأشياء التي هربت منها، قاومتها، صدتها، وهاهي تعود لتبدأ من رحلة الصفر، وكيف تنسى الروح من ملأها؟
*(عادت من جولتها بقارب مثقوب سرّب كل تلك الخيالات التي هزمتها،فلا علاقة للأيام بالنسيان فقتل الصور لا يؤخر المطر ).
الدستور