بعد تأسيس نادي خريجي الجامعة الأردنية وافتتاحه في مطلع السبعينيات في جبل عمان، جهات الدوار الثالث، زارنا الشهيد وصفي التل ، وجاء مع عدد من وزرائه، والتقى بأعضاء النادي. ولأن الجو كان ربيعيأ–او صيفيا–تم اللقاء في ساحة النادي الأمامية في عصر ذلك اليوم، فاصطف وقوفا وحوله الوزراء، وأكمل الدائرة أعضاء النادي الذين صدف تواجدهم آنئذ.
وتحدث الينا الرئيس، واشتبك معنا في نقاش حضاري وعفوي حول القضايا المختلفة، وأعطى الفرصة لكل واحد من الحضور، شبانا وشابات، بتوجيه الأسئلة له، يجيب عليها هو أو احد الوزراء.
وذكرني رئيس النادي آنذاك سامي زريقات ان أهم القضايا التي طرحت ودار الحديث حولها ذلك اليوم تمحورت حول: اردن أخضر وضرورة زراعة الشجر في أرجاء الوطن ليصبح جميلا معطاء، ومحاربة الفساد والقضاء عليه (وكان الرئيس سرح عددا من الموظفين)، ومعسكرات الشباب للمساهمة في بناء جيل اسبارطي، ومن القضايا السياسية تحدث عن منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة الى قضايا أخرى تشغل بال الشباب.
استمع الرئيس لنا ولقضايانا التي تشغل بالنا وناقشنا بها، ولم يغادر قبل ان يسمع من الجميع، بل اني أذكر ان أحد الزملاء ناقشه كثيرا، فوصفه الرئيس حين اراد ان يسأل سؤالا آخر بقوله: «خلينا نسمع من هذا الشاب الكثير الحكي».
كان دمثا في حديثه ومرحا وخلوقا وعقلانيا، اراد من لقائه ذاك بالتأكيد ان يتعرف الى الأفكار الشابة. اما نحن الحضور فقد شعرنا بأهمية ان نقف ذلك الموقف، وفي حضرة رئيس وزراء المملكة. وكان موقفا لا ينسى. وذكر لي السيد زريقات ان الرئيس زار النادي مرة ثانية.
تلك الوقفة مناسبة لنا ان نتذكر بالعرفان دور الرئيس وصفي في تأسيس الجامعة الأردنية التي فتحت ابوابها لاستقبالنا في 15 كانون الأول عام 1962، وكنت انا من الفوج الأول الذي كان له شرف الدراسة فيها. في ذلك العام وقبله، كان الطلاب من الأردن يدرسون في جامعات الدول العربية المجاورة، وكان الأمر يقتصر على الطلبة المقتدرين، او من ترسلهم الدولة في بعثات دراسية. ونتيجة الأوضاع السياسية العربية تم استخدام الطلبة في بعض الدول العربية أداة من أدوات الضغط السياسي، فكانوا يرحلون لأنهم من الأردن. في مثل هذه الظروف ولدت الجامعة الأردنية، وفتحت ابوابها متأخرة قليلا عن موعدها الرسمي. كنت أنا ادرس في كلية (وحاليا جامعة) بير زيت ، فانتقلت منها الى الجامعة الأردنية بناء على رغبة والدي رحمه الله.
كان افتتاح الجامعة خطوة كبيرة ورائدة في تطور الأردن ونهوضه. ومن هنا تتبدى الإرادة الصلبة في اتخاذ قرار فتح الجامعة الأردنية في تلك الظروف الصعبة، وتعيين المرحوم الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد رئيسا لها. وأذكر ان الحكومة اتخذت قرارا بفرض ضريبة رمزية على بعض المنتوجات ليذهب المردود من تلك الضريبة الى الجامعة، مما يعني ان كل اردني قد ساهم بفخر وكبرياء في بناء صرحنا العلمي جامعتنا الوطنية الأم.
ورغم ان وزارة وصفي لم تستمر في الحكم ألا عدة شهور، الا ان خطاب العرش (27/11/1962) الذي ألقاه جلالة المغفور له الملك الحسين قد أشار الى أربعة انجازات لوزارة وصفي هي «تأسيس الجامعة الأردنية، انشاء معسكرات الحسين للعمل، اشتراك وحدات الجيش في شق الطرق وبناء الجسور والسدود، سحب مياه الأزرق الى اللواء الشمالي» (سليمان الموسى، تاريخ الأردن في القرن العشرين، الجزء الثاني، ص 84).
في ذكرى رحيل شهيد الوطن وصفي، فان كل خريج من خريجي الجامعة الأردنية مدين بطريقة ما لقرار حكومة وصفي انشاء الجامعة. كان وصفي قريبا من الشعب، محبا له، شجاعا، مطلعا على احتياجاته وتطلعاته، رحمه الله، وأسكنه فسيح جنانه.
الراي