أزمة النظام السوري والمعارضة في مباحثات السلام
اللواء المتقاعد مروان العمد
04-12-2017 12:52 PM
تحدثت في مقال سابق عن أزمة المعارضة السورية وكيف رهنت نفسها للقوى الخارجية وأصبحت اداة بأيديهم لتحقيق مصالحهم الخاصة. كما تحدثت في مقال آخر عن أزمة النظام السوري وعجزه عن ادارة ملف الصراع بما يجنب سورية هذا القتل والخراب والدمار، وان النظام وبدلاً من ذلك استعان بقوى خارجية لمواجهة المنشقين عنه مما مكن هذه القوى من السيطرة على قرارات النظام ومواقفه.
وقد عُقدت منذ بداية الأزمة السورية وحتى الآن العشرات من الاجتماعات والمؤتمرات بحضور طرفي الصراع او أحدهما او دون حضورهما وفِي جميع الأحوال كان هذا الحضور لا يتجاوز الناحية الشكلية دون الجوهر والذي بقي امر بحثه وتقريره وتنفيذه بيد القوى الخارجية. ولن اعود لاستعراض امثلة على ذلك ولكن سوف اتحدث عما جرى ويجري حالياً في اجتماع القمة الثلاثية في سوتشي واجتماع قوى المعارضة الثاني في الرياض والجولة الثامنة من مؤتمر جنيف. وفِي انتظار الجولة السابعة من اجتماعات أستانا. ومن ثم الاجتماع الموعود في سوتشي والمفروض ان يضم قوى المعارضة بأكملها. وسوف يكون تركيزي في الحديث عن مدى التواجد الفعلي والحقيقي والمؤثر سواء للمعارضة او النظام في هذه الاجتماعات والمؤتمرات.
البداية من الاجتماع الذي تقرر عقده في مدينة سوتشي الروسية بين قيادات للقوى الفاعلة الثلاث في سورية وهي روسيا الداعم العسكري والسياسي للنظام السوري ويمثلها في للاجتماع الرئيس فلاديمير بوتين. وإيران الداعم المذهبي الشيعي والسياسي والعسكري للنظام السوري ويمثلها الرئيس محمد خاتمي. الثالث تركيا والتي هي الداعم المذهبي ُالسني والسياسي والعسكري لقوى المعارضة او ما يفترض ان تكون عليه ويمثلها في الاجتماع الرئيس رجب طيب أردوغان في غياب للعريس والعروس وذويهم والشهود. وبهدف وضع الخطوط العريضة لحل الأزمة السورية. وقبل موعد المؤتمر والذي عقد بتاريخ الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام ٢٠١٧ بيومان تم استدعاء الرئيس السوري الى مدينة سوتشي بطلب من فلاديمير بوتين. وبالرغم من الاستقبال المميز والحفاوة التي احيط بها فقد كان هدف إلقاء أخذ موافقته على المبادئ الأساسية لحل الأزمة السورية وعلى مبادرات السلام المحتمل التوصل اليها في هذه القمة وتعهده بالالتزام بها دون الإفصاح عن تفاصيلها وخاصه في المرحلة الانتقالية ودور الأسد فيها مع إعطاء رسائل انه سيكون له دور في هذه المرحلة. وعشيه انعقاد الاجتماع أعلنت كل من ايران وتركيا عن هزيمه الاٍرهاب في كل من العراق وسورية ( دون ان يشمل ذلك تنظيم النصرة بالنسبة لتركيا )
وفِي يوم الاجتماع قدم بوتين للرئيسين التركي والايراني خلاصه لمباحثاته مع بشار الأسد كما اتفق الزعماء الثلاثة على مساعده السوريين على إيجاد حل سياسي ينهي حاله الحرب في سورية. ووجه الرؤساء الثلاثة الدعوة لممثلي النظام والمعارضة لتحقيق وحده البلاد والمشاركة البناءة في مؤتمر الحوار المزمع عقده في سوتشي، وأكدوا على سيادة سورية واستقلالها ووحده أراضيها. كما اتفق الرؤساء على مساعده السوريين في إيجاد حل سياسي للنزاع يضمن أجراء انتخابات حره ونزيهة وبأشراف اممي يفضي الى صياغة دستور يحظى بتأييد الشعب. وهذا يعني ان هذه الانتخابات هي برلمانية فقط وليست رئاسية والتي سوف يتم بحثها في مرحله لاحقة. وانه يجب الاستمرار في اجتثاث الاٍرهاب من سورية ، وان روسيا تعمل بشكل وثيق مع دول أخرى مثل العراق والولايات المتحدة الأمريكية ومصر والسعودية والأردن لتحقيق هذا الهدف . فيما شدد أردوغان على أولوية ابعاد العناصر الإرهابية عن التسوية السلمية في سورية. وهو يعني بذلك حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي وقوات سورية الديمقراطية. كما اتفق الرؤساء الثلاثة على ان يعقد وزراء الدفاع وقادة أركان الدول الثلاث اجتماعاً لهم في مدينة سوتشي للتحضير لمؤتمر الحوار السوري الذي كان مزمع عقده في شهر تشرين الثاني ولكن لم يتم ذلك لاعتراض اطياف كثيره من المعارضة على حضوره .
هذا وقد اتصل بوتين بأمير قطر الشيخ تميم وخادم الحرمين الملك سليمان والرئيس الامريكي دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأبلغهم بما تم عليه الاتفاق في مباحثاته مع بشار الأسد وقول الأسد انه مستعد للتحاور مع مختلف الأطراف من اجل التوصل الى تسويه سلميه للأزمة .
وبناء على ما تم في مؤتمر سوتشي الثلاثي ، فقد أعلن استيفان دي مستورا ان مؤتمر جنيف ٨ سوف يعقد اعتباراً من الثامن والعشرين من تشرين الثاني وان أمامه موضوعان لبحثهما وهما الانتخابات والدستور دون اَي شروط مسبقه من قبل طرفي النزاع .
وبقي ان تعقد الهيئة العليا للانتخابات السورية لجماعات المعارضة اجتماعاً لها في الرياض لتشكيل وفدها الى جنيف على ضوء محددات تم وضعها من قبل الدول الراعية ومن بينها بعض الدول العربية والقائمة على ما تم الاتفاق عليه في قمة سوتشي، وعلى ان تشارك في الاجتماع منصتي القاهرة وموسكو. وان يكون موضوع البحث حسبما حدده دي مستورا وهو الانتخابات والدستور ودون شروط مسبقه مما ترتب عليه خلافات داخل قوى المعارضة السورية أدت الى استقالة اثنا عشر عضواً من أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات من بينهم رئيس الهيئة السابق رياض حجاب احتجاجاً على التدخل بجدول الاعمال وإشراك منصتي القاهرة وموسكو في الاجتماع ، وكانت المؤشرات تشير الى ان قرارات اجتماع الرياض ستكون كما تريد موسكو والتي أعلنت ان مبعوث بوتين الخاص سوف يحضر هذا المؤتمر الذي سيعقد يومي ٢٢ و ٢٣ تشرين الثاني .
الا ان أموراً أخرى حدثت من وراء الستار غيرت بعض السيناريوهات التي كان من المقرر ان تحدث . فقد احست الولايات المتحدة بتهميش دورها في القضية السورية ولذلك لجأت الى الجانب التركي في محاوله لأعاده جسور التواصل معه لكي تتمكن من خلاله من وضع بصماتها على مباحثات السلام القادمة ولذا ما ان انفض مؤتمر سوتشي الثلاثي حتى بادر الرئيس الامريكي دونالد ترامب بأجراء سلسله من الاتصالات الهاتفية مع الرئيس التركي قدم له خلالها تنازلات بخصوص الملف الكردي وهو وان قال انه سوف يبقى يدعم الأكراد الا أنه قال انه سيعمل على الحد من تزويدهم بالأسلحة من حيث كمياتها او نوعها وانه سوف يعمل على استرداد الكثير من الأسلحة التي سبق وان سلمت اليهم بحجه انتفاء الغاية من تسليمها لهم بعدما تم تدمير تنظيم داعش . وكما المح له بأنه هنالك احتمال ان يحصل تغيير جذري في الموقف الامريكي من الأكراد وانه يعتبر تحالفه مع تركيا أكثر اهميه. وقد انعكس هذا الموقف الجديد على قرارات مؤتمر الرياض لدى انعقاده بالرغم من الخلافات والاستقالات التي سبقته ومشاركه منصتي القاهرة وموسكو في الهيئة المنبثقة عنه وبمقدار ربع أعضائها، حيث تضمن البيان الختامي الذي صدر يوم الخميس الموافق الثالث والعشرين من تشرين الثاني فقره تنص على ضرورة مغادره بشار الأسد في بداية المرحلة الانتقالية وان لا يكون له او لزمرته اَي دور فيها. وما كان لهذه الفقرة ان تضاف لولا ما حصل في اللحظات الأخيرة من تدخلات قد تكون الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ورائها. وهذ الفقرة المضافة تعني ادخال المرحلة النهائية في مباحثات جنيف على خلاف ما هو متفق عليه سابقاً. كما انها تضع شرطاً مسبقاً للمباحثات على خلاف ما أعلن عن رفضه له المبعوث الأممي دي مستورا . وقد أعلن نصر الحريري والذي انتخب رئيساً لوفد المعارضة ان وفده يعتزم الدخول في مفاوضات جاده ومباشره مع وفد النظام مما يعتبر شرطاً جديدا مسبقاً . كما أضاف انه لا يمكن تحقيق انتقال سياسي في سورية دون رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية مما انعكس سلباً على جلسات مؤتمر جنيف كما سيرد بعد قليل.
الا انه ورغم ذلك فقد أصدر العشرات من المشاركين في اجتماع الرياض بياناً رأوا فيه ان الهيئة العليا للمفاوضات التي انتخبها اجتماع الرياض ٢ لا تمثل تطلعات السوريين. ومن الذين وقعوا على البيان كل من جورج صبرا ومحمد صبرا وسهى الأتاسي.
كما أصدرت أبرز فصائل المعارضة بياناً قالت فيه انها تفاجأت بمخرجات مؤتمر الرياض البعيدة عن متطلبات وثوابت الثورة وانه كان على البيان ان ينص على ان المفاوضات يجب ان تنص على تشكيل هيئه حكم انتقالية كامله الصلاحيات وفق قرارات الامم المتحدة، وأنها ترفض مشاركه منصة القاهرة وموسكو بالهيئة العليا للمفاوضات. وان هذه الهيئة التي تم انتخابها لا تتمتع بشرعيه لا داخليه ولا خارجيه. ومن الفصائل التي وقعت على هذا البيان حركه احرار الشام وحركه نور الدين زنكي وتجمع فاستقم وعدد من الألوية والفصائل الأخرى التي تظهر عليها بصمات تركيه .
وقد ادى ذلك الى زياده الانقسامات والاختلافات داخل قوى المعارضة السورية وحتى داخل الوفد الذي تم تشكيله لحضور مؤتمر جنيف .
من ناحيه النظام فقد تم تسريب معلومات عن طريق وكاله الأنباء الفرنسية لم يتم التأكد من صحتها ان بشار الأسد ابلغ بوتين انه على استعداد لإنشاء منطقه منزوعة السلاح على عمق أربعون كيلومترا داخل الحدود السورية مع اسرائيل لضمان بقائه بالسلطة .
وكان من المفروض ان تعقد جلسات مؤتمر جنيف يوم الثلاثاء الموافق ٢٨ تشرين الثاني الا ان وفد النظام لم يحضر احتجاجاً على ما تضمنه بيان اجتماع الرياض عن الحل النهائي. وحضر وفد المعرضة والذي أجرى مشاورات مع دي مستورا كما عقد رئيس وفد المعارضة نصر الحريري ومساعديه اجتماعاً مع مساعد زير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد. كما كرر نصر الحريري موقف الوفد من الحل النهائي . وفِي الْيَوْمَ الثاني وهو يوم الأربعاء حضر وفد النظام وحاول دي مستورا ان يعقد مفاوضات مباشره بين الطرفين الا ان وفد النظام رفض ذلك حيث كان كل وفد يجلس في غرفه ويتنقل دي مستورا بينهما لمحاوله تقريب وجهتي النظر ، الا ان كل منهما اصر على موقفه وكان يتصرف باعتباره الطرف صاحب الموقف الاقوى والجانب المنتصر على خلاف الواقع . ولم يوافق احدهما على تقديم اي تنازل للطرف الآخر كما يجب ان يكون عليه الواقع وربما لأن أحداً منهما لم يأخذ الضوء الأحمر من الجهات الداعمة له لتقديم هذا التنازل ، مما دفع دي مستورا الى رفع الجلسات وإعطاء أعضاء الوفدين مدة ثلاثة ايّام للتشاور على ان تعود الجلسات للانعقاد اعتبارا من يوم الثلاثاء القادم ثم تستمر الاجتماعات حتى الخامس عشر من كانون الاول .
الا ان بشار الجعفري رئيس وفد النظام قال ان وفده سيعود لبلاده وقد لا يعود مجدداً الى جنيف يوم الثلاثاء عازياً ذلك الى ان اللغة التي استخدمت في بيان الرياض ٢ هي عباره عن شروط مسبقه وأنها عوده بالأمور الى الوراء . قبل ان يعود المذكور ليعلن يوم السبت انسحاب الوفد الحكومي من المباحثات بحجه عدم جديه وفد المعارضة في مناقشاته ودون اعتراض روسي على ذلك. وكانت روسيا قد أعلنت عن تأجيل اجتماع سوتشي لجميع فصائل المعارضة السورية الى شهر شباط عام ٢٠١٨ والذي ربما تهدف روسيا ان تجعل منه الإطار الذي يتم فيه الوصول الى حلول للأزمة السورية. وبهذا بقيت الأمور تراوح في مكانها بانتظار محاولات جديدة لزحزحتها والوصول بها الى غاياتها. وليبقى مأزقي النظام والمعارضة على حالهما.