لم يكن المشهد في الشرق الأوسط معقدا ومتداخلا على نحو ما نشاهده اليوم منذ هزيمة عام 1967، ففي حزيران وحدت «الهزيمة» العرب إلى حد كبير، وان كان العنصر الأساسي لهذا التوحد هو مرارة الهزيمة والتفكير في الخطر الإسرائيلي الذي داهم الأمن القومي العربي بهذه السرعة وبهذا الشكل الدراماتيكي، أفرزت الهزيمة خريطة إقليمية جديدة إلى حد كبير وصراعات بين بعض الأنظمة وبخاصة بين نظامي البعث في العراق وسوريا، ووجد الأردن نفسه وبحكم عوامل كثيرة في قلب العاصفة، فبعد أن خسر الضفة الغربية وجد نفسه في حالة حرب للدفاع عن استقلاله ولمنع التدخلات الإقليمية فوق أرضه وكان « أيلول الأسود» ذروة تلك التدخلات وما أعقبه من نتائج وأحداث وبخاصة غياب جمال عبد الناصر عن المشهد وسقوط مشروع «روجرز» وتنامي منسوب التنافس الإقليمي إلى حد كبير بين الأقطاب داخل الإقليم وهم العراق وسوريا والسعودية ومصر حتى بعد حرب أكتوبر عام 1973 وانعكاس هذا التنافس الإقليمي على الأردن وأمنه واستقراره.
نجح الحسين رحمه الله في الحفاظ على استقرار الأردن وأمنه على الرغم من قسوة الوضع الجيوسياسي المحيط بالمملكة من خلال بناء مظلة علاقات إقليمية جمعت دول الخليج العربي ومصر وشاه إيران محمد رضا بهلوي رغم البرود بين الطرفين بسبب أطماع الشاه في البحرين والإمارات، ونجحت هذه المظلة في أن تكون بديلا للعلاقات المتردية مع العراق سوريا وقتذاك.
لم تغب التحديات الصعبة التي تؤثر على الأردن يوما فهو وكما قلت في قلب التنافس الإقليمي وفي وضع جيو سياسي ضاغط للغاية يكاد يخنقه، إلا أن خلق الخيارات الإبداعية وإعادة التموضع السياسي ساهم في حماية استقراره وقوته إلى حد كبير ومن ابرز التحديات الراهنة في الإقليم والتي توثر تأثيرا مباشرا على الأردن ما يلي:
أولا: نجاح نتانياهو في إغلاق الأفق أمام خيار حل الدولتين ودفع الأمور في الذهاب نحو «الخيار الأردني» ممثلا بالكونفدرالية بين الأردن والضفة الغربية وهو خيار سيساهم في خلق صراعات ذات أشكال وعناوين مختلفة داخل «الحالة الأردنية».
ثانيا: بسبب مجريات الأحداث في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين نيسان من عام 2003 ومجريات الأحداث في سوريا منذ بداية عام 2011 فقد الأردن عمقه الاستراتيجي «العربي» في العراق وفي سوريا حيث حل بدل هذا العمق الاستراتيجي العربي «جوار إيراني» يشكل بحد ذاته تحديا كبيرا وتحت عناوين عديدة وبحاجة لمعالجة عاجلة.
ثالثا: الخلاف الخليجي المتشعب الأطراف والأسباب وتحديدا الخلاف السعودي – الإماراتي مع قطر والذي اثر بشكل كبير على مناعة الأمن القومي العربي ، وأدى إلى نمو إضافي للدور الإيراني والتركي والى حد ما الإسرائيلي حيث كان انعكاسه السلبي علينا في الأردن أكثر من أي دولة أخرى خارج المنظومة الخليجية وذلك بحكم الترابط التاريخي بالمصالح بين الأردن والمنظومة الخليجية على الصعد الأمنية والاقتصادية والسياسية.
رابعا: عدم وجود رؤية للإدارة الأميركية الحالية التي أخذت تستجيب لأراء إسرائيلية وإقليمية ومنها أطراف عربية ترى أن ( لا داعي للدور الأردني ) إلا فيما يتعلق ( بالجغرافيا ) والمقصود الحل عبر الكونفدرالية.
ما العمل ؟؟
أولا: في ظل هذا الوضع فان الأمن القومي الأردني يتطلب الاستعانة بحلفائنا التقليديين مثل واشنطن وباريس ولندن ولكن هذه الاستعانة هذه المرة قد تأخذ أشكالا مختلفة عسكرية وأمنية وغير مسبوقة.
ثانيا: الشق الآخر من حماية أمننا القومي يتطلب بالضرورة تفاهما مع النظام السوري ، وفتح قناة جدية للحوار مع إيران حتى لو أخذت شكلا رسميا ومعلنا ، فالمصلحة القومية العليا تحتاج للعقلية البراغماتية.
ثالثا: علينا تعزيز الدور الروسي في المنطقة بالإضافة للدور التركي لإحداث التوازن مع الدور الأميركي الضعيف والمخيف والمنحاز كليا لإسرائيل.
إنتاج هذه المعادلة تحتاج « عبقرية « ولدينا في الأردن هذه العبقرية ممثلة بجلالة الملك الذي نجح في تجاوز محنة الحرب على العراق ومحنة الحرب في الجوار السوري.
Rajatalab5@gmail.com
الراي