التهرب الضريبي من المسؤول: الحكومة أم المواطن
د. عادل محمد القطاونة
03-12-2017 11:45 PM
التهرب الضريبي، البعد الاقتصادي، الهم القديم الجديد، اللغز القريب البعيد، وبين مُتهرب ومُخرِب، مُدققٍ ومُدقق، مؤكدٍ ومشكك، مُفوض ومفوِض، مُشرعٍ ومُتسرع، مَنطقي وهَوائي؛ وبعيداً عن المزايدات والمفارقات في كل ما قيل سابقاً وسيقال قادماً، وفي عبور لما يريده صندوق النقد الدولي من إصلاح ضريبي ضروري، يتساءل البعض عما هو التهرب الضريبي! فمن هو المسؤول عن التهرب الضريبي؟ وهل مؤسسات الدولة بشقيها الخاص والعام جزء من هذا التهرب؟ ومن هو الشخص المتهرب؟ هل هو المواطن الذي لا يشعر بالعدالة من نظام ضريبي، يميز بين شخص طبيعي وشخص معنوي، أم العاملون في الدوائر الضريبية الذين لم يستطيعوا بناء جسور من الثقة مع المواطنين انفسهم؛ أم أن الحكومة نفسها كانت سبباً في هذا التهرب، عبر استثناءات واعفاءات ضريبية حصرية، وعبر سياسيات تحصيلية ضريبية جبرية، أخرجت المواطن عن مصداقيته ووطنيته !
ان المتابع الى الدلالات الضريبية الدقيقة، من فجوة ضريبية عميقة، وتشوهات ضريبية بعيدة، تحصيل ضريبي جامع، وتهرب ضريبي واسع، ازدواج ضريبي موجود، وتخطيط ضريبي مفقود، اعفاءات ضريبية مبتورة، ومعدلات ضريبية مجزوءة، استقرار ضريبي معدوم واجتهاد ضريبي مدعوم، وبين ثنايا الدلالات الضريبية تتبين العلامات التعجبية، فيصبح المكلف الضريبي معيلاً تارة ومعالاً تارة أخرى، غزيراً بالإعفاءات في حالات، مقيداً في كثير من الاجراءات، عندما يساوي القانون في اعفاءاته بين متزوج في آخر يوم من العام، مع متزوج قبل عشرين عاما؛ بين من لديه من الابناء فرد، وآخر لديه من الابناء عشرين فرد؛ بين من يدفع لقاء استشفاء وعلاج ابنه عشرين الف دينار، وآخر علاجه بأربعة آلاف دينار؛ بين مواطن بلا ضمان أو امان، وبين تاجر بلا عنان، فمن هو المسؤول عن التهرب الضريبي؟
ان نظاماً ضريبياً يجعل من المكلف الضريبي كارهاً للاستثمار، والموظف الضريبي طالباً للاستقرار؛ نظاماً يشعر الغالب فيه بالخذلان، يستحق اعادة التقييم، حتى يطمأن المستثمر على امواله، والموظف على حياته؛ نظاماً شمولياً يعطي الجمعيات المتخصصة والمؤسسات الداعمة مكانتها في دائرة القرار، نظاماً يجعل من المستشار الضريبي جزءاً من التدقيق الضريبي لا عبئاً على القرار الضريبي.
في ندوة نقاشية قبل اشهر قليلة، صرح مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، بان قيمة التهرب الضريبي في الاردن لعام 2016 بلغت 1.5 مليار دينار اردني، بينما بلغت قيمة الضريبة المحصلة لنفس الفترة 3.828 دينار، بينما اشار رئيس الحكومة السابق على أن حجم الفاقد الضريبي بلغ 1.9 مليار دينار اردني، وشمل الفاقد الضريبي، 700 مليون تهرب من ضريبة الدخل والمبيعات، وهو يشكل 2.4% من حجم الاستهلاك في المملكة، واعفاءات ضريبية ممنوحة بواقع 834 مليون دينار، ومتأخرات ضريبية بمبلغ 370 مليون دينار؛ وبعيداً عن التصريحات والمؤتمرات، الندوات واللقاءات، الاجتماعات والانفعالات، يرى البعض على أن سياسة الترهيب بتغليظ العقوبات، هي الرادع لكبح جماح التهرب الضريبي، بينما يرى البعض الآخر على أن سياسة الترغيب والتحفيز لمكلفي الضريبة هي الاسلوب الأمثل لزيادة الالتزام لدى دافعي الضرائب، وبين مٌرعب ومُرغب للمواطن، يؤكد الجميع على أن الشفافية والمصداقية، الثقة المتبادلة، تبادل المعلومات والبيانات عبر قاعدة بيانات ابداعية، المساواة والنزاهة بين جميع ابناء الوطن، العدالة في مواد القوانين الضريبية، الكفاءة والدراية في ادارة الملف الضريبي، استقرار التشريعات والتعليمات، هي الاسلوب الامثل للوصول الى التزام ضريبي معقول، يجعل من المدقق الضريبي والشخص الطبيعي أو المعنوي طرفين لمعادلة وطنية واضحة أساسها الأمان والضمان.
التهرب الضريبي مرض بحاجة الى تشخيص كامل، من قبل طبيب عالم، يعطي للوطن حقه وللمواطن أصله، تشخيصاً محترفاً يوصف فيه العلاج الأفضل للوطن الأجمل، تشخيصاً يجعل من المواطن دافعاً محباً للضريبة، والموظف عاملاً مخلصاً للوطن، تشخيصاً يلغي الاستثناءات والتهديدات، تشخيصاً يمنع دائرة الضريبة من شطب معلومات الدخل عن فلان، وتوجيه الضربة القاضية لفلان، تشخيصاً يرى فيه الجميع أنفسهم جزءاً من قالب وطني اساسه الانتماء، واطاره الولاء، عمقه التقيد بالنظام، رسالته التشجيع على الالتزام وميزته السهولة في الاستخدام.