كان من المتوقع ان يقوم الرئيس السوري بشار الاسد بزيارة الاردن ، بعد العيد ، والاسد الذي استقبل مسؤولين اردنيين ، ابلغهم ، انذاك انه سيقوم بزيارة الاردن قريبا ، بل ان الموعد تسرب ، والزيارة ، لم تتم.
العلاقة الاردنية السورية تمر حاليا ، بمرحلة انجماد ، وهي سمة ميزت العلاقات بين البلدين ، طوال عقود ، وكلما زالت الغيوم السوداء ، من سماء العلاقات بين عمان ودمشق ، تجددت ، وبقيت العلاقات ، تاريخيا ، اسيرة ، للمنافسة والشكوك ، وما تصدره الحدود من مشاكل ، مختلفة ، وفي عهد الملك عبدالله ، والرئيس السوري بشار الاسد ، شهدت العلاقات ، تفاهمات نوعية ، على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والامنية ، الا ان عدم التسارع في وتيرة العلاقات ، بقي ميزة اساسية.
الانسياب الطبيعي للعلاقات بين عمان ودمشق ، يتشكل عبر طرق مختلفة ، عبر سفر عشرات الاف الاردنيين ، شهريا ، الى دمشق ، وعبر الحركة التجارية والاقتصادية ، وعبر اسناد سوريا للاردن ، في قضايا تتعلق بالماء ، وغير ذلك ، حتى ان السلطات السورية ، لم تعد تعتقل اردنيا مطلوبا ، وتكتفي باعادة الشخص الذي لا ترغب بدخوله ، وهو نمط محمود للغاية ، ويستحق التقدير من الجانب السوري ، اضافة الى ذلك الى ان زيارة مسؤولين اردنيين الى دمشق ، قبيل شهور اثمرت عن تفاهمات لم يتم الاعلان عنها انذاك ، لمنع اي "مخاطر امنية" عبر الحدود ، تتعلق بمخاطر التنظيمات في لبنان والعراق ، وتسللها ، عبر الحدود ، بوسائل مختلفة.
الانفتاح العربي على دمشق ، بات ملموسا ، ويقرأ المحللون ، انفتاحا عربيا على مستوى دول كبرى باتجاه دمشق ، واخشى ما اخشاه ، ان نتأثر نحن بالجفوة التي كانت قائمة سابقا ، بين بعض الدول الكبرى ودمشق ، ونتماهى مع هذه الجفوة ، لكننا سنصحو ، فجأة ، على علاقات متحسنة بين دمشق وبعض هذه الدول ، او تشكيل جديد للمحاور في المنطقة العربية ، وعندها ستكون مهمتنا ، اللحاق وحسب بالحالة الجديدة ، هذا اذا وجدنا مكانا فارغا ، في المحاور الجديدة ، التي يتم تشكيلها ، وهذا يأخذنا الى الاستخلاص ، الاهم ، المتعلق بضرورة بلورة مواقف شبه مستقلة ، ان لم تكن مستقلة بالكامل ، عن الافلاك العربية ، والحفاظ على "خط رجعة" في علاقاتنا العربية ، تفيدنا في المناورة والبقاء في المشهد ، والامساك بخطوط علاقات ، مؤثرة ، لاتتأثر فقط بالاجندات الاقليمية ، في هذه المنطقة ، ومعنى الكلام ، ان علاقتنا بدمشق يجب ان تبقى دائمة ، حاضرة ، لاعتبارات كثيرة ، ابرزها ، ان لا نصحو وقد وجدنا ان سياستنا الخارجية ، تتأثر بفرق الحسابات ، بين الدول العربية ، المحيطة بالاردن.
مرت فترات ، كانت فيها علاقات الاردن ، مع كل دول الجوار ، علاقات ايجابية ، ضمن درجات متفاوتة ، الا ان الواضح ، ان التقلبات في المنطقة ، ومايجري سرا او علنا ، وتداعيات ملف غزة والقضية الفلسطينية ، وتداعيات المعسكرات العربية ، والخلافات بين الدول ، يجعلنا نتأثر بشدة ، وكأن الوضع لا يسمح لنا ، الا بالتحالف مع جهات محددة ، وهذه الجهات تكون قادرة على الاغلب بفك تحالفاتها ، وفقا لقياساتها ، او ظروفها ، فيما نتفرج نحن على المشهد ، ونكون جزءا متأثرا ، من صياغات نتائج التحالفات او الانفتاحات الجديدة ، وهذا يقود الى التساؤلات حول الفرق بين سياسة خارجية كان الاردن يعتمدها سابقا ، تتعلق بكونه مؤثرا في المنطقة ، قبل ان يكون متأثرا.
يبدو واضحا ، ان هناك صياغات جديدة ، للموقف في الشرق العربي ، ومن الاولى ان نعيد فتح علاقاتنا ، ضمن حد ادنى مع جميع الاطراف العربية ، فنكون قادرين على الحديث والجلوس ، الى كل المراحل ، وعلى هذا فأن علاقتنا مع دمشق ، يجب ان يتم تحريرها ، من التكتيكات ، الى ثبات في الحد الادنى ، وهناك ضرورة ملحة لانعاش العلاقة مع دمشق ، بأعتبارها ، ليس مجرد عاصمة سياسية للدولة السورية الحديثة ، وانما لكونها تشكل نقطة ارتكاز وانسياب طبيعي ، في المنطقة ، كما هو كل منطقة "الهلال الخصيب" في مكوناته ، وعلاقات المكونات ، ببعضها البعض ، واي مخالفة لهذا النسق التاريخي ، يجعل كلف المخالفة ، مرتفعة ، استراتيجيا.
ننتظر زيارة الرئيس الاسد ، الى عمان ، وننتظر علاقات طبيعية تتجاوز كل حسابات المنطقة ، وننتظر زوال اي جفوة واي برود ، واي تأثر في علاقات البلدين ، وهو الامر الذي يطرح نفسه بقوة ، ليس على عمان وحسب ، وانما على دمشق ايضا ، التي لاتستطيع ، ايضا ، مخالفة النسق التاريخي الطبيعي ، بين البلدين ، وهي دعوة ، لعل هناك من يتطلع الى ملف العلاقة الاردنية السورية ، في عمان ودمشق ، بطريقة مختلفة ، بعيدا عن الشكوك والظنون والتبعيات والمحاور والاصطفافات ، والتأثر بتقلبات المنطقة ، لانها علاقة نفترض انها فوق كل هذه الحسابات.
من عمان الى دمشق ، بضعة كيلومترات ، لا قيمة لها ابدا ، في نظر العقلاء...والعقلاء فقط.
m.tair@addustour.com.jo