من المتعارف عليه في دول العالم المتقدم الواعي إن منصب الوزير هو منصب سياسي في الدرجة الأولى ، وإن الوزير كجزء من المنظومة الحكومية ، وكعضو في مجلس الوزراء هو معني تماما بتفاصيل الأمور ، وكلامه محسوب جدا عليه ، ولا ينطق عن الجهل ، بل إنه ملم بحيثيات القضايا المطروحة في الشارع ، و على اطلاع تام فيما تحمله أحداث الساعة ، وهو أيضا صاحب رأي وقرار ، ومستعد في أي لحظة لتقديم استقالته لرئيس الوزراء إذا رأى إن قرارا ما هو مخالف لضميره ، أو مصلحة وطنه ومواطنه .
في العالم الثالث ولن أقول الثالث عشر ، وتحديدا في دول العربان ، هذا غير موجود على نطاق واسع ، وقليل جدا بل نادرا جدا أن ترى تلك التفاصيل في شخص وزير ، يحمل دائما في جيبه قلما ليوقع استقالته عند أول منعطف حاد ، قد يدهور مسيرة الحكومة ، أو يمس حياة المواطنين من قريب أو بعيد ، بل على العكس من ذلك فإن الوزير دائما ما يكون هاتفه مرتبط مع " مستشار " ليس له من حظوظ الإرادة والصدقية والاستقلالية قليل حظ .. ومهمة المستشار التبرير عن أي خطأ قد يرتكبه معالي الوزير ، عدا عن استنفاره لطاقم "التنظيفات " المخول بحل أي ورطة قد يقع فيها صاحب المعالي ، أو على الأقل إيجاد "تخريجة " لزلة قلم معاليه التي كلفت بعض " الفراطة " من الملايين .
ومن المتعارف عليه أيضا عند جماعة الوزراء الجدد والمجـَددين انهم يقومون بحجز عدد من البدلات ذات اللون الداكن قبيل أول تشكيل أو تعديل يتناهى لمسامعهم تأكيدات على دخولهم فيه ، وهناك عدد ليس بالقليل من أولئك المستوزرين ممن ذهبت أحلامهم الى مقاعد المعارضة بعد أن خابت آمالهم في الحصول على " مقعد " في طائرات الحكومات سريعة الإقلاع ، واهترأت بدلاتهم جراء طول الجلوس على مقاعد الانتظار .
عقدة البدلة ، وربطة العنق ، و تهذيب الشعر ، والحرص على حلق الوجه وتنظيفه من أي شعره ، ووضع الكريمات والماسك الليلي ، هي بالنسبة للكثير من وزراءنا أهم كثيرا من تنظيف العقل وتحفيزه للبحث في حلول للمشاكل المزمنة أو الطارئة التي نبتلي بها فجأة ، أو الوصول الى بلدة أو قرية منكوبة فقرا أو جهلا أو بـَوَرّصّة وقرصّنة .. أو اتخاذ قرار يعود على المواطن بالنفع و يدخل الفرحة على بيته غير السعيد .
مشكلتنا في الاردن إننا اعتدنا على وزراء يختبئون خلف رئيسهم ، وبعض رؤساء يختبئون خلف توجيهات الملك ، تجدهم قبلا يلهثون في كل محفل وناد للظهور ، أو المؤسسات الوظيفية جمعا للمال والمكاسب ، ويتمنون الساعة التي يجلسون فيها مع رئيس وزراء عامل ، وحينما يجلسون على مقاعد الوزارة ، يقضون أوقاتهم أمام المرآة يتحدثون مع أنفسهم ، ويرسمون على الهواء خطط بطولاتهم .. فكم وزير تعرفون قدم مبادرة ترفع من شأن الفقير وتستر وجه الكريم ، كم وزير خرج من وزارته وقد سجل إنجازات تكتب باسمه ، وتقرأ الأجيال الفاتحة على روحه ، بدل قراءتنا لتبت يدا أبي لهب وتب .. كم وزير خرج بعد أن عقد مؤتمرا صحفيا وكشف أسباب استقالته ووجهة نظره .
هنا في هذا البلد الطيب ، كنا نتمنى على أي وزير أن يتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام ، إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليزرعها ، أو كما قال عليه السلام ، لهذا فإننا نرى الوجوم والتجهم على وجوه الوزراء ، خوفا من خروجهم خارج الحكومة وكأنهم يقادون الى حتفهم ، وهم الذين تشدقوا ضحكا وفرحة حينما تقبلوا التهاني باستلام مناصبهم ، فليس من المعقول أن تتجمد أعمال الوزارات ، وان يبقى المسؤول منتظرا أي خبر يحدد مصير بقاءه على كرسي الوظيفة الذي هو في الأصل أمانة طوقت عنقه وأثقلت كاهله .
على المسؤول .. أي مسؤول في المنظومة الحكومية ان يتذكر إن ما يقدمه للمواطن هو واجب وليس منة ، وإن غالبية المواطنين أصبحوا بحاجة ، والحاجة تحتمل كل شيء ، والنواقص كثيرة لدى شعب المملكة الأردنية الهاشمية في الداخل والخارج ، ومن يتصدى للوظيفة الحكومية يتوجب عليه الإخلاص في عمله ، والسعي لتحقيق أفضل إنجاز على الأرض لا على الورق .
كم كنا نتمنى وكم تمنى معنا كثير من القرّاء مثلا أن تشكل لجنة حكومية تقف على أسباب حدوث كارثة البورصات ، وهي نتائج عمليات التلاعب التي قامت بها شركات توظيف الأموال ، التي خربت بيوت آلاف الضعفاء والمساكين وأصحاب البيوت المستورة من المودعين الذين قتلهم انتظار الفرج ، فذهبوا بكل سذاجة الفقير الى وضع كل ما يملكون في تلك الشركات ، لتوفير راتب ربحي شهري دون إضاعة رأس المال ، ولكن لتهاون هيئة الأوراق المالية أصلا ، وعدم قيام وزارة الصناعة والتجارة بمسؤولياتها ، جعل حفنة من أولاد يلعبون بمصائر العباد ، ويتركون غالبية سكان محافظات الشمال يسبحون في بحر من الضياع ، يتمنون الحصول على " كرت مؤن " من الأونروا بعد العدوان الحالم على مقدراتهم وسقوط آخر معاقل البيوت المستورة في القرى التي لا تعرف التعامل مع المحافظ المالية ولا مؤشرات السوق ، وأكل الذئب بقراتهم
ما قلته أعلاه لا يقتصر على الوزراء فقط ، بل على مسئولي الدولة الأردنية جميعهم ، هذا إذا افترضناه ان هناك مسؤولين حقيقيين ، فكل ما نراهم أصبحوا "مستولين " على أي شيء تطاله أيديهم إلا من رحم ربي .
عموما لا بد لليل النائمين والمتقاعسين والناكصين والناكرين والحالمين أيضا أن ينجلي ، وموعدنا الصبح .. أليس السبت بقريب ؟
Royal430@hotmail.com