بيروقراطية الدولة واحلام التحول
حسن الشوبكي
17-02-2009 06:35 PM
لا يقوم بتبليغ قرارات المحاكم او ما يصدر عنها في سنغافورة شخص نسميه نحن منذ نحو قرن محضر كما لا ترى داخل المحاكم السنغافورية قصاصة ورق ، فهذا البلد المتحضر هجر الورق منذ وقت طويل وخلت محاكمه ومؤسساته العامة والخاصة منه ومن استخداماته ، والامر ببساطة كان بمثابة ارادة تغيير تحققت للسنغافوريين في وقت ما اعدت بعدها رؤية ، جرى تنفيذها في وقت قريب دون تلكؤ او ابطاء .
المشهد ليس ذاته لدينا ، فجولة في السيارة على مؤسساتنا العامة وحتى التجارية تكشف للمرء ان كتاب الاستدعاءات يتكدسون كما الاوراق على ابواب معطم مؤسساتنا وما يزالون يمارسون ذات المهنة التي انقرضت منذ سنوات ، فيما الاوراق ذاتها تتبعثر بين هذه اليد وتلك ، ويبقى الحديث عن مشاريع الحكومة الالكترونية او التجارة الالكترونية او كل ما هو الكتروني حديثا شكليا بسبب تباطؤ التنفيذ ونقص التشريعات وضعف الارادة رغم مضي اكثر من عقد على هذا الحديث ومشاريعه الحالمة .
الية تنفيذ مشروع الحكومة الالكترونية قبل تسع سنوات التزمت بأن المشروع يجب ان يسير في ثلاث اتجاهات : تشريعي بحيث تقوم لجنة وزارية باعادة النظر في كافة التشريعات لتنفيذ التحول من الورق الى عالم الكتروني جديد ، اما الاتجاه الثاني فيكمن في الجانب الاداري ذي الصلة باصلاح القطاع العام ، اما الثالث فيتركز في الجانب الفني للتحول ويشمل مشاريع ربط الكترونية سريعة واخرى لاحقة .
وباختبار الالية الانفة ، فان التشريعات ذات الصلة بالعالم الالكتروني قاصرة ، وباستثناء قانون مؤقت واحد هو قانون المعاملات الالكترونية ( 2001 ) فأن التشريعات الاخرى لا تغطي النشاطات ذات الصلة باي وسيلة الكترونية ، وينسحب ذلك على التعاملات والتجارة الالكترونية والعقود عمليات الشراء والبيع وسواها من اشكال النشاط الاقتصادي ، فلا التوقيع الالكتروني معتمد ولا المحاكم لدينا تضم قضاة متخصصين في الجاني التقني او الالكتروني .
والثنائية غير المنطقية في نسق الدولة ومؤسساتها اتجاه تحقيق مثل هذا التحول رصدها بمرارتها النائب عبدالرؤوف الروابدة - الذي رعى الملتقى الاول لتشريعات المعاملات الالكترونية يوم امس - واعتبر ان جيله والاجيال القريبة منه " تعيش رهابا الكترونيا ، فقد وصلت الينا بعد ان تجاوزنا فيها المرحلة المبكرة التي يكون فيها للتعليم التأسيس والاثر البعيد " وذهب الروابدة الى ما هو اخطر بقوله ان هنالك فجوة معرفية بين القيادات السياسية والادارية وبين الفنيين والمتخصصين ما ادى الى تخندق بعض القيادات وراء ما يعرف وضد ما يجهل بينما انغمست قيادات أخرى – والقول للروابدة – في الجديد دون تبصر كاف طمعا بالوصف بأنها تقدمية ، وفي المحصلة " توسد مواقع قيادة العمل العام تقنيون خبراء في حقول المعلوماتية وغالبا ما يجهل بعضهم شروط القيادة الادارية والسياسية اكثر من جهل القادة بالالكترونيات " .
كلمات الروابدة تنطوي على وضع مأزوم في ملف التحول الى العالم الالكتروني ، والوضع الحالي في البلاد تجاه هذا الملف لا يزال بطيئا وضعيفا على صعيد القطاعين العام والخاص ، فمشروع الحكومة الالكترونية لم يرتبط ارتباطا عمليا باصلاح القطاع العام وهندسة الاجراءات في بعض الوزارات تسير بشكل سلحفائي كما ان المشكلة تتركز في تنقلات الموظفين وتقلب العاملين بمستوياتهم المختلفة ، فالموظف لا يبقى اكثر من ثلاث سنوات في موقعه وهو ما يؤثر على كفاءة العمل بشكل عام ، اما في القطاع الخاص فالبيروقراطية اكثر وضوحا واكثر صخبا ، والامر لا يحتاج الى اجتهاد وتحليل معقد ، فطلب تسهيلات واحد كفيل بأن يضع المقترض امام سيل من الاوراق الثبوتية والاختام والتواقيع ، وهو ما يتعدى في بعض التسهيلات عشرين واربعين ورقة .
تم تغيير استراتيجية الحكومة الالكترونية غير مرة حتى بدت حلما صعب التحقق ، فيما استقطبت البنوك والمؤسسات الاقتصادية الاردنية خبراء اجانب لتسهيل معاملاتها ، بيد ان المحصلة النهائية في اللحظة الراهنة تشير الى ان البيروقراطية والاوراق والملل والتواقيع واضاعة الوقت لا تزال مجتمعة حاضرة وبقوة في دهاليز القطاعين العام والخاص .