facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




شكل آخر للحب "قصة قصيرة"


01-12-2017 10:41 AM

عمون- قصة قصيرة لزياد غزال فريحات

أخبرتني أمي أني عندما خرجت إلى الحياة لم أخرج باكياً بل خرجت هادئ القسمات، بلا حركة فظنت القابلة أني ميت فاستدعت الطبيب على الفور فقام بضربي على مؤخرتي وأنا دون حركة و قسمات وجهي ثابتة لا تهتز ، وبعد الضربة الثالثة ظهر علي الإحساس بالألم وعبرت عنه بصوت خافت ، فتعجب الطبيب وقال وهو ينظر إلى :
*- ما هذا الطفل .... يبدو أنه بلا إحساس
ومضت الأيام وعندما أصبحت في المرحلة الإبتدائية من حياتي صار يضرب بي المثل للطفل المجتهد المؤدب وكانت مادتي المفضلة هي الرياضيات ، فالحساب ليس مادة دراسية بالنسبة لي فقط بل أصبح منهجاً لتفكيري وكل شيء أحسبه وأغلب حساباتي كانت دقيقة حتى وأنا طفل صغير
أذكر مرة كان والدي ينظف بألة بالديزل فوقع على بنطالي قطرات من الديزل دون أن أشعر ، وفي غفلة لا أدي كيف إشتعل بنطالي نارا فذهبت على الفور إلى الحمام وفتحت الدش وبقيت تحته حتى أطفئت النار وجميع أخوتي وأمي وأبي يصرخون وأنا صامت لأني كنت واثقاً ضمن حساباتي أن النار ستنطفئ خلال ثواني لقد إشتعلت النار بي وإطفئت دون ان يرتجف قلبي أو يرتعش بدني أو حتى فقدان قدرتي على التفكير والحساب .

وفي السنه الأولى لدراستي في الجامعة قي قسم المحاسبة مرض أبي وكان لا بد لأحد أن يسد مكانه في محل بيع الجملة للمواد التموينية وكنت أصغر أخوتي الثلاثة فقررت أن أكون مكانه ، لقناعتي أنه لا يصلح لهذا المكان إلا أنا ، لم يكن ذلك غرور مني ، بل يا ليته كان غرورا ، فأنا في تلك اللحظات لم أذق طعم الغرور في حياتي بل كان حساباً دقيقاً مني

وسيرت في عمل أبي وإزدادت الأرباح خلال سنة وفي نهاية السنة توفى أبي ، رغم اني أحسب كل شيء فإني توقعت شفاء أبي خلال أشهر ويعود أبي إلى محله و أعواد إلى جامعتي ولكن مشيئة الله كانت غير ذلك ، وبقيت أدير محل أبي ولم أرجع إلى جامعتي وتوسعت تجارتي وأصبحت تاجر كبيراً وأنا لم أتجاوز الثامنة والعشرين من عمري

في تلك الأيام ألحت أمي علي كثيراً لأجل الزواج و طلبت أن أمنحها فرحت رؤية أبنائي قبل وفاتها ، وفي النهاية قبلت ولكن ليس لأجل أمي بل لأني حسبت المسألة من جميع جوانبها فوجدت أن الصواب هو زواجي في هذا السن وليس بعد سنوات ، وتزوجت من فتاة مجبولة من كتلة من المشاعر والعواطف والأحاسيس ، كنت أحسب كل شيء في علاقاتنا هي لا تعرف الحسابات بل تتدفق مشاعر نحوي ، كنت قادراً على رؤية وفهم التدفق الهائل بالعواطف نحوي والتعلق الشديد بي ولكني غير قادر على الإحساس بهذا كله ، قالت لي يوماً :

*- أنا كأي إمرأة أكثر ما ينصب عليه إهتمامي هو الحب بل إذا كنت تريد أن تعرف الحقيقة أني ليس لي عمل في الحياة سوى الحب وأغلب النساء مثلي ، أنا يا موسى لم أشعر منذ رأيتك بمشاعرك نحوي ، أنت حسن العشرة ولكنك بلا قلب ، أنت تمتلك عقل عملاق و تمتلك أيضاً قلب جاف لاينبع منه شيء ، أرجوك أجبني ألا تشعر بينابيع المشاعر التي تتفجر في قلبي نحوك ، أرجوك أجبني ... انا مصرة ان تجيـبني
:- بالطبع اشعر وأحس بك ولكني لا أجيد التعبير عن ذلك
لقد كذبت عليها فأنا في الحقيقة تفهمت ما تقول وأدركته جيداً ولكني لم أشعر به على الإطلاق

ومضت الخمس سنوات الأولى و لم نرزق بمولود ،وكان السبب هو زوجتي ، أخذ موضوع الإنجاب يسيطر على تفكيرها ومشاعرها بل حتى على حديثها وانا لا أشعر بأي شيء غير طبيعي وأحاول أن أقنعها بأن الزمن أمامنا طويل ولا داعي للعجلة وبعد السنوات الخمس وعلى حين غرة إكتشفنا وجود حمل وهو في الشهر الثالث ، فصبت كل مشاعرها وإهتمامها على الجنين وخصوصاً عندما أخبرها الأطباء أن هذا الحمل قد يكون الحمل الأول وربما الأخير لمشاكل كبيرة عندها في المبيض

وجاءنا إسماعيل وبدا يكبر سنة وراء سنة ، حتى دخل المدرسة وكانت فرحة أمه لا توصف والحقيقة أنا كنت مبتسماً ومرتاحاً ولكني لم أكن فرحاً إلا قليلاً جداً لأني في تلك الأيام كنت لم أذق الفرح في حياتي إلا قطرات صغيرة وقليلة رغم ان الفرح كان موجوداً بوفرة في حياتي ،وفي أول إجازة إسبوعية لإسماعيل ، ذهبنا لزيارة اخي الكبير وكان إسماعيل لا يقبل إلا أن يمسك بيدي وبعد أن إنتهينا من شراء هدية لأخي الكبير رأى إسماعيل على الجهة المقابلة من الشارع كرة حمراء مع أن عنده كرات كثيرة وحمراء ايضاً

وفجأة صرخت أم إسماعيل بعنف شديد على إسماعيل حيث مشى لقطع الشارع وكان من السهل إحضاره لو أسرعت المشي ولكني أفتقد الحرارة في ذاتي ومشيت بخطوات بطيئة عاجلتها سيارة أخذت معها إسماعيل إلى قبره الصغير واخذ إسماعيل معه قسماً كبيراً من صبر امه وتوازنها و مشاعرها الجياشة وإبتساماتها واخذ اكثر من ذلك حبها لي ، فانا في نظرها السبب في وفاة إسماعيل ، مشاعري الشحيحة هي التي قتلت إسماعيل ، عواطفي الأقزام هي من دفن إسماعيل ، قلبي الذي يحسب مشاعر ه على قلتها بالورقة والقلم هو من سفك دم إسماعيل

لن أنسى كلماتها عندما حاولت إرجاعها إلى بيتها وهي في بيت أهلها
*- أنت لست أنسان ، من هم امثالك جريمة أن يكون لهم اسرة ، لأن نهايتهم هي القتل برصاص قلبك المعوق
:- أنا يا أم إسماعيل لست بهذا السوء فأنا لم أتمنى الشر لأحد في حياتي ، لم احقد على بشر لم أحسد أحداً طوال حياتي ، أقسم بالله لم اكره أحد على وجه الأرض ، لم أتكبر لا في السر ولا في العلن
قالت وعيونها مليئة بالغضب :
*- أنت بالفعل لم تتمنى الشر لأحد ولكنك في نفس الوقت لم تتمنى الخير لأي أحد ، انت لم تكره بشراً ولكنك أيضاً لم تحب إنساناً
صرخت بأعلى صوتها
*- أخرج أيها المجرم لااريد أن أراك ، لا اريد ان أرى وجهك المشلول ، أخرج يا مجرم لا اريد ان أحس بقلبك البور ... أخرج ...أخرج ...أجرج
وخرجت هائماً على وجهي لا اسمع إلا كلمات أم إسماعيل ولا أرى إلا صورتها وهي تصرخ بشكل هستيري ، وقلت في نفسي
*- هل وجهي مشلول حقاً هل قلبي صحراء قاحلة ، ليس فيها نبات ولا حتى أشواك
وخلال ايام عرفت مشكلتي وحسبتها بدقة ، فمشكلتي أني شحيح المشاعر ، ينابيع قلبي لاتقدر ان تروني فكيف بالعطاشى ممن حولي
وحسبت جيداً كيف أخرج من قلبي العواطف والمشاعر والأحاسيس لأرتوي منها وأروي من حولي ، فإذا كانت ينابيع قلبي لا يخرج منها إلا القليل القليل فإنه علي أن أحفر أباراً إرتوازية في اعماق قلبي ، ورغم حساباتي الدقيقة فأنا لم أحسن التعامل مع القلب مع أني أحترف التعامل مع العقل ، وظل سوأل يحيرني ، بأي بئر أبدأ ... بالحنان أم بالغضب أم بالتعاطف ، أم بالحسرة أم بالإمتنان ام بالخوف أم بالأمان وفي نهاية الحسابات الطويلة فقد قررت أن أبدأ بالحب لأنه سيد العواطف ، ثم قلت في نفسي بمن أبدا أول دفعة من مشاعر الحب في قلبي وبحساب سريع قررت ان ابدها مع الله عز وجل ، وبدأت أحفر بئر الحب في قلبي لأستطيع الإحساس بحب الله جل جلاله وكانت ادواتي في الحفر قراءة القرآن و الدعاء و المناجاة ،

لن انسى أول إحساس شعرته بحب الله ، لقد كان دافئاً أشعرني كم كان قلبي باردا ، حب الله أخذ يدفئني في هذا البرد القارص ، حب الله يأخذني إلى حياة ٍ جميلة لم أعيشها من قبل ، أصبحت عندما اقرا كتاب الله أحس أنه يخاطبني ولا اشعر بمن حولي واحس الأرض أوسع بكثير من السابق ، عندما أناجي الله أحس بهزة تلسع قلبي فيهتز ، فتـتساقط دموعي قهراً

يا الله لحبك مذاق لا يمكن ان يكون له شبيه ، أنا لم اشعر بالحب في حياتي أما اليوم فعواطفي تشتعل عند دعائك ، أشعر بحبك بالفعل ، وأشعر برغبة جامحة لآقول بصوت مسموع أني أحبك يا الله ، كم أنا فخور اني عبدك كم انا مطمئن بحبك بأنك ستقف معي في الكبوات والحسرات والإنكسارات

ومضيت إلى أم إسماعيل وانا أناجي الله عز وجل
*- اللهم إني أحبك وأحب من يحبك و أحب العمل الذي يقربني إلى حبك
ولما جلست أمامها وكانها شعرت بكل ما بداخلي واخذت تنظر إلي مندهشة قبل أن أتكلم ...هل يعقل ان الحب يظهر على الوجه والجوارح بهذا الوضوح قلت لها
*- أنا اليوم جئتك لغاية أخرى غير رجوعك إلى البيت أريدك ان تجيبيني بماذا أشعر بالضبط ، فأنت خبيرة بالعواطف ، أنا يا أم إسماعيل أشعر أني متعلق بشدة بالله عز وجل وهذا التعلق مشحون بمشاعر تطغى على تفكيري وكل كياني ، هناك رغبة تدفعني لأكون مع الله عز وجل ، بقراءة كتابه و دوام ذكره ، شعورٌ يملئني طاقة أمتلك قوة لم تكن موجودة في داخلي ، عواطف تشعرني بشمس تشرق على ظلمات نفسي .....ما هذا الشعور يا ام إسماعيل
قالت وهي متعجبة :
*- أنه الحب بكل تاكيد ... أتدري يا موسى كل ما ذكرته وزد عليه الكثير كنت اشعره إتجاهك
:- ولكن الله يقول ( والذين امنوا أشد حباً لله ) أريدك ان تحبي الله اولاً ....ما رأيك ان أعلمك شدة حب الله وتعلمني كيف احبك كما ترغبين أن أحبك
ومضت معي ام أسماعيل إلى البيت وأستطيع أن أقول وانا محترف في الحسابات ان الليلة التي دخلت بها ام إسماعيل البيت حملت بها إسماعيل الآخر وبعد إسماعيل رزقنا الله بولدين وثلاث بنات ، يبدو ان دوائي ودواء أم إسماعيل هو حب الله عز وجل





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :