نظرة على تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية
د. نضال القطامين
30-11-2017 06:30 AM
ليس في تعديلات مشروع قانون الجرائم الالكترونية جديد حتى يحظى بهذه العاصفة من الجدل، ويعرف الذين يقرؤوا القانون النافذ أن المادة 11 من القانون لم يرد لها ذكر في مشروع القانون المعدل، وهي المادة التي يصفها معارضو القانون بأنها جاءت لتكميم الأفواه.
وبينما يتغاضى هؤلاء عن المواد الإيجابية في مشروع القانون، فإنه ينبغي قراءة نصوصه بتؤدة واستيعاب وفهم كبيرين، بل ويجب كذلك الاعتراف بأن جميع التعديلات كانت ضرورية وفي مصلحة الفرد والمجتمع، وليس من العدل إلقاء الكلام على عواهنه، ولا الإصرار على أنها عنزة ولو طارت.
لقد غلظ المشرّع في مشروع القانون عقوبة انتهاك مواده المتعلقة بنشر المواد الإباحية والاستغلال الجنسي والابتزاز الالكتروني والدفع للجريمة والحث عليها والدخول الى الشبكة بهدف تغيير نظام معلوماتها واستخدام الشبكة لخرق الحياة الخاصة للآخرين والدخول بهدف إلغاء او حذف او اضافة او تدمير او افشاء او اتلاف او حجب او تعديل او تغيير او نقل او نسخ بيانات او معلومات او توقيف او تعطيل عمل الشبكة المعلوماتية، فضلا عن التطرّق إلى مسألة تعريف “خطاب الكراهية”، بأنه “كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات، الدينية، أو الطائفية، أو العرقية، أو الإقليمية، أو التمييز بين الأفراد والجماعات"، وهذه وغيرها نقاط مضيئة في مشروع القانون، ينبغي الدفاع عنها، لأنه بات يقينٌ أننا في حاجة الى تشريع جديد في هذا السياق في ظل كثير من الإسفافات التي تحتويها منصات التواصل الاجتماعي.
ومثلما ينبغي علينا فهم نصوص مشروع القانون الايجابية في أغلبها، فإني أعتقد جازما أننا بحاجة الى إلزام أنفسنا بشروط ذاتية على ما ننشره أولا، على أن تكون شروطا ذات أبعاد أخلاقية وحضارية تتسق مع المصالح المجتمعية والفردية خصوصا في ما يتعلق بالمادة 11 من القانون النافذ والتي لم يطلها تعديل كما سلف.
وينبغي التوضيح من أنه على الرغم من معارضة الكثير لنص المادة 11 والمطالبين بالإسهاب في تفسيرها حرصا على العدالة الامثل، إلا إنّه وفي ضوء عدم فتحها للنقاش فانه يجب أن نعلم أن تطبيقها مرهون أساسا بثقتنا الكبيرة بالقضاء النزيه والعادل الذي سيأخذ بظروف أي انتهاك لهذه المادة ويقرر بناء على ذلك حجم العقوبة.
لقد باتت الحاجة ماسة لتغليظ العقوبات في جرائم السب والشتم والتحقير الواردة في قانون العقوبات ١٩٦٠، ذاك أن هذه الجرائم غدت أكثر تأثيرا وانتشارا، وينبغي العلم أن كثير من الدول المتقدمة قد بادرت بذلك، ففي ألمانيا أصبح قانون "نيتزدغ" الذي يهدف إلى تنظيم منصات التواصل الاجتماعي لضمان إزالة خطاب الكراهية، ساري المفعول، وقد قال وزير العدل هيكو ماس: "حرية التعبير تنتهي حيث يبدأ القانون الجنائي".
ولم تكن ألمانيا وحدها التي تكافح المنشورات المؤذية عبر وسائل التواصل الالكترونية، فقد كانت المملكة المتحدة في طليعة العديد من الدول التي تعمل ضد التطرف عبر الإنترنت، وتشترك مع ألمانيا في حث الاتحاد الأوروبي على التصدي لانتشار خطاب الكراهية عبر منصات الإنترنت، وتتعامل بريطانيا حالياً مع الإساءات التي تصدر عبر مواقع التواصل بناء على «قانون الاتصالات الخبيثة» التي تتيح إحالة المتهمين بها على محاكم ابتدائية (ماجستريت)، علماً أن أقصى عقوبة يمكن أن تصدر على المدانين هي السجن ستة أشهر، فيما قال وزير العدل كريس غرايلينغ إن حملات الإساءة على الإنترنت، هي بمثابة «سم» يبثّ عبر عالم الإنترنت لكن لا يمكن قبوله في الحياة الحقيقية.
وأوضح أن هناك أصلاً قوانين «تتعامل مع مثل هذا ، لكننا نريد تشديد هذا القانون لضمان أن هذه الجرائم يحقق بها في شكل صحيح، والذين يرتكبون هذه المخالفات يواجهون عقوبات بالسجن لفترات أطول»، ولهذه الغاية ستعدّل الحكومة القانون الحالي كي تتيح إحالة جرائم الإساءة الخطيرة على مواقع التواصل على «محاكم التاج الملكي» بدل محاكم الـ»ماجستريت» التي تُعنى بالقضايا البسيطة، وبدلا من الحكم بستة أشهر على المدانين بهذه الجرائم كحدّ أقصى، فقد تصل العقوبة في محاكم التاج إلى السجن لمدة سنتين.
لا يختلف اثنان على أن لمشروع القانون نتائج إيجابية، مثلما لا يمكن لأحد إنكار أن بعض مستخدمي المنصات الالكترونية يوجهونها حسبما يرغبون، نحو إفراغ شحنات الغضب، واغتيالات بالجملة للشخصية، وتضليل وتجييش، مع التأكيد أن هذه المنصات في الوقت ذاته، هي منبر من لا منبر له، ولكنه من المهم كذلك، النظر الى كل هذه الخليط العشوائي من المنشورات اليومية على هذه الصفحات، بعينٍ من العدل ومن الإنصاف وبشيء من الحفاظ على موروثنا الوطني في احترام الناس واحترام خصوصيتهم وعدم إلقاء التهم جزافا ودون دليل، والسماح باغتيالات الشخصية والاكتفاء بالنفي، دون تشريع يوضح للناس أن كلّ ما يكتب هو خاضع لاعتبارات قانونية وأخلاقية، سيما وأن الأثر السلبي للمحتويات المنشورة قد يتجاوز حدودها الجغرافية التقليدية ليمتد للعالم بأسره بكبسة زر واحد.
فهل نشهد نقاشا وطنيا برلمانيا وشعبيا وربما أكاديميا في هذا السياق؟