سؤال طرحته فيروز على وديع الصافي في المسرحية الغنائية "سهرية حب"، وكلنا يردد إجابة وديع الصافي:" أنا من بلد الحكايات المحكية ع المجد ومبنية ع الألفة..."، وكيف انتهت تلك المسرحية بنهاية سعيدة للطرفين، في هذه الأيام يتعرض البعض منا لهذا السؤال عدة مرات في مواقف متعددة ومن وجوه متلبدة، فلا تكاد تجلس في عرس،،،، مأتم،،،،مقهى،،،، عطوة أو صلحة أو حتى صالون حلاقة، وتلقي السمع للحديث الدائر بين البعض منهم، إلا ويبدأ هذا البعض بالهمس عنك وعن والدك،،،إخوانك، عشيرتك، ماذا تعمل....الخ، وما أن تبادر للمشاركة في الحديث معهم - يعني تستلم الميكروفون- حتى تسمع أحدهم يتجرأ ويسألك بخبث، الأخ من وين؟
تُصدم بل تُفجع هنيهة وتفقد بوصلة التركيز للحظات، وما أن تعود إليك أنفاسك - وتبلع ريقك -، حتى تجيب السائل بطريقتك الاستفزازية أيضاً، أنا من بلاد الله الواسعة!!
إذا تعرضت لحادث سير أول سؤال لك، أنت من أين؟ إذا راجعت طبيباً، أنت من أين؟ إذا ساقك القدر إلى ميكانيكي، بنشرجي، كهربجي، أنت من أين؟ إذا قررت ترشيح نفسك، أنت من أين؟ إذا تقدمت لوظيفة، أنت من أين؟ إذا وقفت في أي طابور – حتى لو كان العاشر- ، أنت من أين؟
إستوقفني هذا السؤال مطولاً، وبت حيران أسأل نفسي هل نحن بلا هوية حتى نُسأل هذا السؤال، أم نحن نكرة لا يحق لنا التحدث ومشاركة الآخرين بعض الأفكار والطروحات، ثم الأهم من ذلك كله ماذا سيُستفيد السائل معرفة أنت من أين، وما الذي يُبطنه خلف ذاك السؤال؟ وهل إذا عرف أنت من أين سيغير رأيه إيجابا أم سلبا!؟
سابقاً،كانت أجوائنا أسرية مفعمة بالحب والانتماء والولاء، نتقاسم ضنك الحياة بما فيها من نكد، وتجسدت بيننا علاقات تاريخية روابطها عربية الانتماء هاشمية الولاء، لا تكاد تميز فقيراً من غني، شيخاً من راعي غنم، أبناء الذوات من أبناء الذات.
أما اليوم فبالرغم من ارتفاع حرارة الأرض وانفجار طبقة الأوزون، لم يعد يرفع الحرارة في وجوه البعض لهيب الشمس وحرقة الصحراء، وبتنا نتحسر على تلك الأيام الخوالي وما فيها من دفء وحرارة، بالرغم من ضيق الحال وبرودة الأحوال،حيث أول سؤال يوجه إليك الآن ( بلا زغرة انته من وين؟ ).
سؤال حاولت الإجابة علية مرات عديدة، أنا من وين؟ أصلا أنا مين؟ والى أين أسير؟ في ضوء المتلاطمات والمتلازمات، لم اعد اعرف أنا من أين، وهل أنا عربي؟ هل أنا أردني؟ هل أنا وطني؟
لم أجد معياراً أو مقياساً ثابتاً يحدد هويتي التي أصبحت أفتقدها كثيراً في عالم الهمس والطمس، فهل أصبح مطلوبا مني أن أبحث عن هوية جديدة ووطن بديل وأهجر وطني الذي ما عرفتُ غيره، واتركه لحفنة من المرتزقة لا هم لها سوى تفصيل الأنساب والأعراق، ونهب الخيرات وتجميع الثروات، وأن تعرف أنت من أين؟ علها تجود عليك ببعضٍ مما سلبتك إياه، وهل سنكون من بلد الحكايات أم سنصبح نحن بحد ذاتنا حكايات لكل نكرة وذات؟ والى أن أجد جواباً،سيبقى السؤال معلقاً، أنا من وين؟
kalilabosaleem@yahoo.com