حتى لاتضيع الفرصة مرة أخرى
د.نبيل الشريف
29-11-2017 12:48 AM
هناك انطباع لدى شرائح واسعة من المواطنين أن مناقشة النواب للموازنة لاتضيف جديدا، وأن الجدل حولها مهما علا واتسم بالسخونة فإنه سرعان ماينتهي بإقرار هذه الموازنة بغض النظر عن الخطابات الرنانة التي سبقتها.
إن هذا الإنطباع مؤسف ويجب عدم السماح بتفشيه وإستمراره لأنه يقوض ماتبقى من الثقة في مؤسسة مهمة من مؤسسات الدولة ألا وهي السلطة التشريعية. ولكن إجتثاث هذا الإنطباع غير ممكن إذا لم ندرس أسباب تشكله وترسخه في الأذهان.
وإذا كانت الحكومة قد أقرت الموازنة في وقت قصير في إحدى جلسات مجلس الوزاء التي عقدت مؤخرا مما لم يمنح الوزراء ربما الفرصة الكافية لإبداء آرائهم في بنود الموازنة المختلفة، فلعل حظ مجلس النواب يكون أفضل لتقديم خطاب عقلاني معمق حول الموازنة، فالأصل في الأمور أن تخضع مشاريع القوانين المختلفة لنقاش علمي مستفيض في مجلس الوزراء أولا ثم في مجلسي النواب والأعيان.
إن هذا النقاش الموسع للموازنة داخل الحكومة وفي مجلس النواب مفيد للغاية لأنه قد يرفد الحكومة بأفكار جديدة وخلاقة تمكنها من تحقيق أهدافها الإقتصادية دون زيادة الأعباء على المواطنين.
إن أحدا لاينكر أننا نعيش ظروفا إستثنائية، وأن الموارد المحلية هي المصدر الأساس لدعم موزانة الدولة بعد أن انحسرت أو جفت الموارد الأخرى وخصوصا الدعم الذي كنا نتلقاه من أشقائنا، والتحدي هو كيف نستطيع أن نحقق سياسة الإعتماد على الذات دون إرهاق كاهل المواطن بأعباء جديدة؟
إن هذا ما يجب النقاش حوله بحرية كاملة بل يجب السعي للحصول على كل الأراء الممكنة علنا نعثر على رأي أو فكرة تمكن الجهات المعنية من تحقيق الأهداف المنشودة دون تحميل الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة المزيد من الأعباء إنسجاما مع توجيهات جلالة الملك.
لقد كانت الحكمة دائما ضالة المؤمن، ولكنها في هذه الظروف المضطربة أصبحت إضافة إلى ذلك مطلبا يجب السعي إليه من قبل الجهات صاحبة العلاقة.
ومن الضروري توسيع دوائر النقاش والحوار حول هذه القضايا المفصلية وإيجاد المنابر والآليات المختلفة للإستماع لكل الآراء، فالبديل عن ذلك هو حصر النقاش في بضعة أشخاص يلتقون في غرف مغلقة وينوبون عن الوطن بإتخاذ القرارات المصيرية.
وقد ينتهي النقاش الذي يجري حول الموازنة في مجلس النواب إلى نفس النتائج التي توصلت إليها الحكومة، ولكن منسوب القبول لخطوة من هذا النوع يرتفع كلما أدرك الناس أنها أشبعت نقاشا داخل المؤسسات المختلفة.
إن أملا كبيرا يساور المواطنين في أن يبتعد نقاش الموازنة في مجلس النواب عن الظواهر التي أحبطت الناس من نقاشات الدورات والمجالس النيابية السابقة للموازنة، فمجلس النواب هو بيت خبرة يضم عددا من الكفاءات الطيبة في مختلف القطاعات، والحكومة والوطن بحاجة ماسة للإستماع ألى كل الأراء المستنيرة.
ولهذا فمن الضروري الإبتعاد عن الخطابات البلاغية النارية التي يهدف اصحابها إلى دغدغة مشاعر الناس بكلام إنشائي جميل ولكنه لايضيف شيئا ولايغير من الحقائق الماثلة على الأرض، وعلى من يلجأ لهذا النوع من الخطاب أن يدرك أن المواطن شب عن الطوق منذ زمن بعيد ولم تعد تنطلي عليه مثل هذه الخطابات.
إن الوطن بحاجة ماسة للإستماع من السادة والسيدات النواب إلى خطاب هادئ مفعم بالأفكار الجديدة والخطط البديلة التي يمكن أن تصوب برنامج الحكومة وتبعده عن الجيوب المرهقة للمواطنين. ولايساورني شك أن الحكومة ستكون أكثر الأطراف سعادة بذلك لأنها لاتجد قطعا أية متعة في تحميل المواطنين المزيد من الأعباء.
أما الجانب الآخر الذي ينبغي على النواب الإبتعاد عنه في خطاباتهم فهو المطالب المناطقية ذات الصبغة الإنتخابية الضيقة ليس فقط لأننا اصبحنا أمام واقع جديد أنيطت بموجبة الخطط المحلية بمجالس المحافظات والمجالس البلدية، ولكن لأن الوضع الإقتصادي لايحتمل هذا الإغراق في هذه المطالب التي لم يكن المقصود تلبيتها بالضرورة ولكن تسويقها محليا وجني ثمارها في الإنتخابات.
إننا إذا أمام فرصة مهمة لمناقشة الموازنة في مجلس النواب بخطاب راشد مدروس يمكن أن يعود على الوطن بأثمن الفوائد.. فهل سننتهز هذه الفرصة أم أنها ستضيع كما ضاعت فرص أخرى قبلها؟
الراي