قرأت مطولا عنه , وأبي حدثني عنه أيضا ...
(3 (طلقات , واحدة منهن اخترقت القلب , وسببت نزفا شديدا جدا , فكان منه أن سقط على أدراج الشيراتون في
القاهرة ...وكل ما مضى من الوقت كان نزفا , فقط (9 (دقائق كانت كفيلة بأن تصعد روحه الطاهرة إلى عليين ,
وتعلنه جدائل البنات الأردنيات شهيدا ..ما بعده شهيد ..
أكذب إن قلت أنك كنت لحوران قمحها , كنت أكبر من ذلك بكثير ..وقد لا أقول الحقيقة إن قلت أن بنتا من الكرك , زرعتك قلادة في الوريد
....وكنت لدمها عطره وعشقه ومجراه ..كنت أكبر من كل العشق يا وصفي ...وقد تخونني الكلمات يا أيها الأسمر الجميل والنبيل إن قلت لك
:- أنك كنت وميض فوهات بندقية , ما كلت ولا تعبت من يد حاملها ..وظلت تسدد والمدى يحتضن كل طلقة ..
ماذا يفيد الكلام يا سيدي ...فقط قل لي , حدثني عن الدقائق الـ (9 (التي نزفت فيها ..وقد أدركت لحظتها , أن المنية قد حضرت ..حدثني قل
لي ماذا شاهدت ؟ ومن مر من أمام عينيك الحانيتين الجميلتين ..هل مر عرار حاملا الشعر والرفض , وحياك أيها الشهيد وطبع قبلة على
عينيك الشامختين ...هل مر هزاع , وابتسم ومسح بيده ...وجهك وقال لك :- غدا سنزفك إلى البلد ...سارية من سواري النصر ..وملحمة
ستبقى في التاريخ ...هل مرت بندقية من أمامك أيضا , بندقية أردنية ..وانحنت , وأنت تدري أن البنادق كانت تنحني لك قبل الرؤوس ..من
شاهدت في تلك اللحظات .. أجزم يا سيدي أن زيتون فلسطين , أضاء فيه الزيت قليلا وتوهج ..وأنصفك فالأرض هناك تذكر من قاتل على
ترابها ومن مات فداء لها ...وقد مر من أمامك ..ولوح بالغصن قليلا ..وعطرك وقبلك وحياك .
ماذا يفيد الكلام الان ..؟ لاشيء ..لكن فتية من معان , نهضوا صباح اليوم ..وحضر بعضهم إلى منزلك وقرأوا , ايات بينات على روحك , كنت
معهم يا سيدي وتلك المرة الأولى في عمري التي أشاهد فيها قوما حضروا على أكف الغضب ..وقد حملوك في قلوبهم نهجا ووطنا,
وبعض الأمهات في عجلون ..أفقن مبكرا ..ويممن الوجه شطر القبلة وأرخت واحدة منهن الدعاء لك ..فصعدت إلى السماء تكبيرات وتهليلات
وبشائر من النصر ...وصبية يا وصفي , تأثرت بما قاله جدها عنك ...صبية مثل عود الريحان وأحلى , كتبت إليك دمعا مقفى على صفحتها في
الفيس بوك ..وخاطبتك بكلمة (أبي) ..وفي الكرك يا سيدي وامامي ..هذا الصباح وفي ذكرى استشهادك , خرجت حافلة تقل مجموعة من
الشباب السمر , الذين عذبوا العشق ولم يعذبهم ..إلى الكمالية حيث ترقد في مستقرك الأبدي والأخير ..وفي الطريق غنوا لك اجمل نشيد
...وهاهم لحظة كتابتي هذا المقال , يقفون على مقامك العظيم . وكأنك منهجا وقد حضروا كي يتعلموا من طهر المقام ...بعضا من
أبجديات المبادىء ...
وأنا يا سيدي ها قد حضرت بالحرف والقلب والروح ..واعلم أنك ستبقى في قلبي الملهم والملحمة والأسطورة ..وأغلى الرجال وأحلاهم ....
عليك الرحمة , ولك السلام
الراي