النّوايا غير السليمة لدى المطالبين بالمدنيّة الأردنية
د. نزار قبيلات
28-11-2017 10:54 PM
بديهيا نؤمن جميعاً بأنه من المستحيل التفكير بمجتمع آمن و صحي دون الركون إلى سيادة القانون و تعزيز مبادئ المساواة في الفرص و المنح و مساحة الحرية و في محاسبة الفسدة، وفي ذات الوقت و حين يختلط الواقعي مع النرجسي أرى أنه من غير الممكن أن تطلب الحكومات الغربية -على سبيل النكتة طبعاً- من أي شخص وَفَدَ إليها من البحر أو السّماء او عبر مهربين فأخذ جنسيتها أن يُظهر صدقَ انتمائه للبلد الذي وفدَ إليه فلا يذكر شيئا عن وطنه الافريقي الأول، رغم أن دولته الجديدة هذه قدمت له ضمانا اجتماعياً يكفل له طعامه و شرابه وصحته وبعض الترفيه وهو بالتأكيد ما لم يجده في وطنه الأم. إن بعض المترفين الأردنيين و ممن يهرولون بقوة نحو هذا الطموح النبيل يخفون رغبة غير حاسمة مطمورة في أنفسهم تكشف عنها صفحاتهم الفيسبوكية و ملصقاتهم في تويتر و شعاراتهم في أيقونات الواتساب و الانستجرام ، وهم على هذا صنوف ثلاث .
فأولاً لا يمكن لشخص لم يحسم بعد مبدأه في ازدواجية ً الانتماء من أن يكون من أوائل الداعين لدولة الحقوق و المؤسسات تلك، كما لا يمكنني تصور وجودَ شخصٍ قفزَ ليلاً من أقصى أسوار اليمين و التشدد الديني إلى أدفى حضن من أحضان " اللبررة" و اللادينية من أن يكون حاملاً لرأس الحربة في معركة العلمانية و التنوير التي بدأنا نسمع طبولها، و إلى هذين الصنفين غير الحقيقين في جديتهما يضاف أبناء الطوائف الدينية الأخرى المتشددين طبعاً ، الذين يخشون من أن تستشري موضة الجهاد و قطع الرؤوس لدى أبنائنا فيكونوا هم أسهل من يطبق عليهم (إنّما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا...) . هذه الصنوف الثلاثة تشكل بحق العائق الأكبر فنحن لا يمكن ان نصدق من يطالب بالحقوق المنقوصة على قاعدة العرق و اللون و اللهجة من ان يكون تنويريا يرنو لمستقبل تسوده العدالة و الحرية و الأخلاق الإنسانية. ببساطة إن دعواتنا بشكل عام عادة ما تكون (مش لله) فكثيراً ما نعرف سبب دعوة تلقيناه بعد مضي شهر من انتخابات أو في تغير في حال (المعزب) وعلى هذا فإن كثيرا مما نسمعه من هرولة نحو المدنيّة هي مجرد ممارسة غير جدية و للاستعمال العام لكنها في داخل الدائرة الضيقة لصاحبها مجرد وهم وتهديد، فمؤخرا شاهدنا بالفيديو كيف كان خطاب أشرس برلمانيينا في عمان وكيف تحول إلى خطاب ضيق في القاعدة الشعبية و مثل هذا حدث فعلاً حين شاهدنا بتسريب احتفالية خاصة لفريق كرة قدم وكيف كان هتاقهم في قاعة تضم المؤيدين فقط.
المدنية حلم كبير ؛ فدولة كفرنسا دفعت مقابله عمرا طويلا و دماءً كثيرا و سجون و ظلم، ونحن يمكننا أن نعبر الضفة تلك لو تخلى بعضهم عن حنينهم للماضي ونظروا للمستقبل بوطنية ودون قلق.