التعديل الوزاري اختبار حاسم للذهبي
د. محمد أبو رمان
16-02-2009 01:18 AM
تشير بعض التوقعات والتسريبات أنّ فرص التعديل الوزاري المنتظر منذ شهور باتت وشيكة، وقد تجاوز عمر الحكومة السنة الأولى بأشهر قليلة، فيما سيمد التعديل المتوقع من عمر الحكومة الافتراضي.
التعديل يمثل اختباراً حاسماً للرئيس الذهبي. فالرجل حظي في الفترة السابقة بمرحلة سياسية مريحة، على الرغم من الشروط الاقتصادية الصعبة، وبدا تعامل الإعلام والبرلمان والدوائر السياسية ناعماً، لكن هذا لا ينفي أنّ الرئيس، في الوقت نفسه، أثبت مصداقية في قضية الأسعار ونأى بنفسه عن تنازع القوى، وقدّم أنموذجاً نظيفاً في الإدارة والتنفيذ.
اليوم، يدخل الرئيس مرحلة جديدة وفي عنقه توجه عام يدفع إلى رد الاعتبار لموقع رئيس الحكومة ودوره السياسي والإداري وولايته الدستورية، بعد التوافق على تأطير النفوذ السياسي لـ"مؤسسات الظل" في أدوار مساندة ومتكاملة، لا متضاربة، مما يُرتِّب استحقاقاً كبيراً في مضمون التعديل ووجهته القادمة، وفي مقدمة ذلك ملء المساحة السياسية المطلوبة باقتدار.
أحد عيوب المرحلة السابقة تتمثل في انعدام الانسجام داخل الفريق الوزاري وتعدد المرجعيات بين المؤسسات والشخصيات المختلفة، التي ساهمت في تشكيل الحكومة وفق "منطق المحاصصة". وقد أثبتت تلك الطريقة في التشكيل عقمها وضررها على العمل الجماعي التضامني المطلوب من الفريق الوزاري من ناحية، وأدت – من ناحية ثانية- إلى تضارب عمل الوزارات وتداخلها مع مؤسسات موازية أخرى.
في التعديل الحالي، فإنّ المطلوب أن يقدم الرئيس رؤيته الموضوعية المجرّدة للأسماء الكفؤة القادرة بالفعل على حمل المسؤولية معه وتحمل تبعات المرحلة المقبلة، بعيداً عن اسلوب الاسترضاء أو المحاصصات وتبادل الخدمات. وهذا لا ينفي – بالطبع- ضرورة الاستعانة بخبرات مؤسسات الدولة المختلفة في تنقية وتنخيل الأسماء المطروحة ومدى قدرتها على المهمات المطروحة، لكن ذلك ضمن الحدود الفنية والعملية.
ما يجعل من امتحان الرئيس مضاعفاً ومركّباً في التعديل الحالي أنّ جميع المؤشرات تدل على أننا أمام عام أزمات بامتياز، مليء بالتحديات والصعوبات والمنعرجات.
التحدي الوجودي الجديد هو الجفاف وندرة المياه مع انحباس المطر، وهي مشكلة تتضاعف مع مرور الوقت، مع تقدم الأردن المرعب على لائحة الدول الأفقر مائياً في العالم، ما يتطلب استراتيجية واضحة إبداعية تأخذ بعين الاعتبار أولوية مشروع مياه الديسي وتمويله، وكذلك البدء بمشروع قناة البحرين أو مشاريع مائية أخرى تطمئن المواطن الذي يشكو (من غير جفاف) من قصة المياه.
وهنالك التحدي الاقتصادي مع بروز تداعيات الأزمة المالية العالمية محلياً، وتأثيراتها السلبية المتوقعة بعد أن بقيت أقلام اقتصادية تحذّر الجميع بأننا لسنا متضررين من الأزمة. الآن، يرى خبراء اقتصاديون ضليعون أنّ نسبة النمو إذا بلغت 3%، أو حتى 1% فهو أمر مقبول! هذا مع ازدياد إشكالية الحصول على المساعدات الخارجية في ظل هبوط سعر النفط والأزمة المالية العالمية ومع إدارة جديدة ديمقراطية في البيت الأبيض.
على الجهة المقابلة، يشتد التحدي السياسي مع صعود اليمين الإسرائيلي مرة أخرى، بل وتحول الوسط هناك إلى اليمين، ما يؤول إلى معارك سياسية خارجية ساخنة قادمة، مع استحقاق بنيوي يتمثل في توافر القدرة على إدارة المعادلة الداخلية بجدارة وأهلية.
لذلك؛ فإنّ الضرورة ماسة وحيوية أن يتضمن التعديل أسماءً ذات وزن أو قدرة سياسية تشكل مع الرئيس مطبخاً مميزاً لإدارة السياسة الداخلية والخارجية على السواء، تمتلك الكفاءة والتأثير في مخاطبة الرأي العام وإقناعه، وهنالك ضرورة موازية أخرى لوجود "مطبخ اقتصادي" ببرنامج يتضمن خطة اقتصادية دقيقة وعملية تتعامل مع الأزمة العالمية وانعكاساتها.
إذا لم يكن التعديل الوزاري بهذا المضمون وهذه الوجهة؛ فسيكون عبئاً على الرئيس وانتقاصاً كبيراً من مصداقيته لدى الشارع!
عن (الغد)