وصفي والإعلام "حرثنا مثل ما قال وصفي"
طارق زياد الناصر
28-11-2017 04:29 AM
في لقاء جمعه بمجموعة من المزارعين للتباحث في أمور الزراعة، شارك الشهيد وصفي التل الحضور بطرائق جديدة للتعامل مع المشكلات التي تواجههم، منها مثلا الحراثة العرضية التي تضمن امتصاص الأرض للماء والحفاظ على البذار لينمو في مكانه، ويبدو أن نصائح وصفي التي وصلت إلى الفلاحين من خلال وسائل الإعلام المحدودة آنذاك قد أحدثت أثرا كبيرا فيهم حيث أصبح يتردد على لسان الكثيرين منهم: "حرثنا مثل ما قال وصفي".
لقد أدرك الشهيد أن بناء علاقة بين المواطن ومصادر المعلومات المتوفرة أمر في غاية الاهمية، لذلك حرص على دعم التليفزيون والاذاعة والصحف لتكون أداة مجتمعية فاعلة، وبحيث يمكن لصانع القرار توجيه خطاب عقلاني بسيط وواعي يصل إلى المواطن مباشرة، وهذا ما كان يتقنه الشهيد بل يبدع فيه مع انه لم يتعلمه كمهارة، ولم تأت هذه القدرة من علاقته بالناس، بل لأنه فهم ما يقوله وادرك ما يحتاجون لمعرفته دون تكلف وعناد.
عرف وصفي أن الأزمات تحتاج إعلاما نوعيا لا كبرياء ومغالاة، وعمل على مضمون الرسالة قبل نوعها وشكلها، حتى إنه وحابس كتبا الأغنية واشرفا على بث الروح فيها صوتا وموسيقى، فكانت أغنيات الأردنيين حينها دعاية سياسي واجتماعية تحميهم من آثار الإعلام المعادي وتحفزهم على العمل بإيجابية، وكان العنوان الأبرز "هنا الأردن" واللحن الأجمل "تخسى يا كوبان".
انه أمر في غاية الاهمية ان يكون السياسي ضليعا في امور الناس وشؤونهم كما في الإدارة والسياسة، لكن الأهم هو الفهم العميق لدور الإعلام في بناء علاقة ايجابية بين الحكومة والشعب، مع التركيز على بناء خطاب صادق تحمله وسائل الاتصال المختلفة لتعزز الدور التنموي المشترك للإعلام وصانع القرار بشفافية وموضوعية، وتحقيق اثر حقيقي لدى متلقي الرسالة تضمن فهمه لعملية صنع القرار وتفاصيلها بحيث يصبح جزءا منها.
أي أننا مطالبون بإحياء العلاقة بين المواطن ووسائل الإعلام الوطنية -التليفزيون الأردني مثلا- ومُنتَجها الإعلامي، وربما بنفس النهج الذي ساهم في استمرارية علاقة الأردنيين بوصفي وصحبه إلى اليوم، والبقاء في الذاكرة بعد أكثر من أربعين عاما على رحيله.
لا شك أننا نلاحظ اليوم عدم قدرة الكثير من الساسة والمسئولين على بناء خطاب إعلامي كخطاب وصفي، ما يستدعي أن نطلب منهم في ذكرى شهيدنا إعادة بناء خططهم الإعلامية مستفيدين من تجربته، والأخذ بتطور وسائل الاتصال والتواصل، وفهم الواقع لبناء علاقة موثوقة مع المواطن تقوم على صدق المعلومة والمصدر.
وربما يقول قائل إن الظروف الصعبة تمنع أي سياسي من بناء رسالته الاتصالية بشكل جيد، لكن على العكس تماما الظروف الصعبة والمفصلية تحتاج إلى نهج إعلامي مدروس وعميق يبنيه أصحاب الخبرة والاختصاص، وليست ظروفنا القاسية اليوم أكثر صعوبة من حقبة الستينيات والسبعينيات وعلى كل المستويات، مما يؤشر إلى أن تدفق المعلومة بشكلها المناسب ومكانها الصحيح بما ينسجم مع القرار السياسي وظروفه هو أساس الحل لكل المشكلات، وبدلا من أن ترحل الازمات كما ترحل مياه الأرض عند حراثتها، علينا ان نحرث كما حرث وصفي وأن نعترف بوجود المشكلة لنصنع الحل، بل ليساهم الجميع في بناء استراتيجية وطنية شاملة تؤتي ثمارا لكل الوطن.
اليوم في ذكرى استشهاد وصفي نكتب عن المشروع الذي حمله دون الخوض في المقارنة بينه وبين غيره من الساسة، لأن الظروف اشتدت صعوبة وبات الشباب الذي يؤمن بوطنه بحاجة إلى اعلام على طريقة وصفي، فصعوبة أي مرحلة تحتاج إلى حكومة قوية وإعلام واعٍ، نعم نحن بحاجة إلى ان يفهم ساستنا الرؤى الملكية التي يقدمها جلالة الملك من خلال أوراقه النقاشية وتوجيهاته للحكومة وسلطات الدولة المختلفة سعيا لصناعة مستقبل اردني نوعي يضمن دوام الثقة عنوانا للدولة الأردنية، كما فهم وصفي الحسين وكان اهلا لثقة الحسين فيه.