رفع الدعم .. هل هو موجه ومدروس ؟
د. عدنان سعد الزعبي
27-11-2017 12:09 PM
لسنا ضد الرفع سواء على الخبز أو غيره -فقد تجرعنا رفع الدعم عن عدة أنواع من مشتقات الطاقة ، رغم التساؤلات العديدة التي تطرحها آليات الاحتساب ؟؟!!- ولكن من المنطقي جدا أن تقدم الحكومة تصورا ما لإعادة النظر بالدعم الموجه؛ فكلنا يتطلع أن نتخلص من مفاهيم الدولة الريعية تمهيدا للمضي بسياسة الاعتماد على الذات ، التي طالما وأن تشدقت بها الحكومات كأهم عائق وتشوه يحول دون وضع الاقتصاد الأردني على مساره الصحيح ؟ . ولعله في المقابل توجب على الحكومة أن تضع المعادلة الأمثل لتوجيه الدعم بحيث يذهب الدعم لمستحقيه الفعليين بعيدا عن التبريرات والمعيقات التي تحاول قطاعات المجتمع تبريرها أو وضعها للحيلولة دون تطبيق هذه المعادلات . فهناك الكثير من الشرائح التي لا تستحق الدعم وهناك شرائح وطبقات بأمس الحاجة لتعديل الدعم ورفعه . وهذه هي المعادلة التي تطبقها دول العالم المتقدم والذي مضت بسياساته الاقتصادية نحو النجاح والنمو والتطور . فلا يعقل أن يستمر الدعم بهذا الشكل لينعم بها من هو قادر على شراء هذه السلع بالسعر الحقيقي . فما يجري اليوم أن مثل هذه الطبقات والتي تدعو لاستمرار الدعم هي التي تستغل الطبقات الكادحة وعلى حساب الفقراء والمعوزين، وبالتالي على الموازنة العامة للدولة . فالعالم بأسره استطاع أن ينجح بمثل هذه المعادلات، إلا في الأردن ، فما زلنا نسمع أصوات كثيرة ترفض هذا المبدأ ليس لقناعتهم بأنها ستظلم غالبية المواطنين الأردنيين، بل لغايات ومصالح تمسهم أنفسهم فهم أكثر المستفيدين من عمليات الدعم وعلى حساب الفقراء .
الحكومة مطالبة الآن وبكل قوة أن تتشاور بجدية وشفافية مع النواب والفعاليات المدنية والشعبية والجهات المختصة ذات الخبرة والدراية ، وأن تسمع جيدا لتوصيات صندوق المعونة الوطنية وملاحظاته ، تمهيدا لوضع آلية دقيقة لإيصال الدعم بعد تحديد هذه الشرائح ومستوياتها ، ومقدار الدعم، وطرق الإيصال التي تحفظ كرامة المواطن وتقنعه بأنه يحظى باهتمام الحكومة وجهودها ، باعتباره مقصد صانعي القرار في الأردن .
نعي تماما حجم المعاناة التي يتحملها المواطن الأردني جراء الفقر والبطالة وضعف النمو والعجز والمديونية ..الخ . ونعي تماما أن حجم المساعدات يقل يوما بعد يوم، ولا بد لنا من أن ندرك حتمية الاعتماد على الذات والتوقف عن أسلوب الطلب الذي وضعنا في مواقف لا نحسد عليها ، وندرك بنفس الوقت بأن تجارب كثيرة لدول تماثلنا الظروف الديمغرافية والمناخية واللوجستية والثروات ، استطاعت أن تنمو وتتطور وأن تسجل مكانة اقتصادية عالمية ؟ نظرا لتوفر نفس المقومات ، وأجواء مناخية وسياسية مستقرة ، وتوفر الكفاءات المدربة والمميزة والمنتجة ، وما أكثرهم في الأردن ؟! وهنا فعلى رئيس الحكومة أن يفكر مليا قبل إخراج هذه الاستراتيجية ، وأن يفكر مع بقية أعضاء فريقه، إن رفع الدعم عن الخبز سينعكس على الكثير من السلع ، وسيرفع أجور العمالة الوافدة ،وزيادة أثمان الخدمات ، وسوف ، وسوف . وستصبح المسألة من رفع الدعم عن الخبز إلى مسيرة رفع ستطال الكثير من السلع والخدمات مما ينهك المواطن بدل مساعدته ، وسوف تصل به إلى حد الصراخ ، وعندها سيصبح قصر نظر الحكومة كارثة بحق الوطن والمواطن.
صيغة رفع الدعم تحتاج نظرة شمولية وضوابط تحدد رفع الأسعار فقط عن السلع التي يرفع الدعم عنها بحيث يتم دراسة الآثار كافة ، ووضع الحلول لها . فإذا استطاعت الحكومة الوصول لمثل هذه المعادلة المتوازنة العادلة فنحن أول من يصفق لها . وإذا كانت النظرة عشوائية وتلعب معنا لعبة الاحتمالات فالأفضل لها الكف عن ذلك لأن فيها (خراب بيوت) فوق الذي نحن فيه، وهذا لا يقبله أحد. وعلى وزير المالية العنصر الأهم في الفريق الاقتصادي الحكومي، أن لا يعتقد أن 50 دينار للأسرة الفقيرة في حالة الطوارئ هي رفاهية ودلال لهذه الأسر ؟؟!! ، وأن الاسرة المعوزة ليست فقط المسجلة في سجلات المعونة الوطنية ، فإذا ما بحثنا سنج الاسر التي لا تملك حتى قوتها اليومي المعتمد على الخبز ! وأن العالم بأسره يؤمن مواطنيه بمبالغ كافية للعيش المستور ولم نجد من يتمنن أو يتهم مثل هؤلاء أنهم في دلال؟؟باعتباره حقهم.
الحكومة مدعوة أن تتعامل مع ملفات هامة ، حتى تستطيع أن تقنع الناس بجدوى ما تعمل ، وقدرتها على تحقيق نتائج إيجابية في مسعاها وخططها وبرامجها ، وأولى هذه الملفات ، جدية التعامل مع قضايا الفساد المالي والإداري ، والبحث عن القضايا الكبرى التي شغلت الرأي العام وما زالت تنتظر الجواب الشافي المقنع ؟ فنحن نريد ألا نسمع تبرير المواطن أو رفضه لإجراءات الحكومة بالقول " ابحثوا عن أموال الفاسدين وقضايا...الخ) قبل أن ترفعوا الخبز وغيره".
رفع الدعم مطلوب ولكن كيف؟ نضمن عدم تأثر الطبقات الكادحة والوسطى والحفاظ عليها ، فالمواطن الذي يدفع المسقفات سنويا عن سكنه الذي بناه بما يملك درءا لعواقب الزمان ، ويدفع رسوم السيارة التي يركبها إضافة إلى مبالغ ترخيصها سنويا، والمبالغ التي تدفعها الأسر لتعليم ابنائها وإعدادهم للوطن في المدارس والجامعات، وما يدفعه للطعام والشراب والألبسة والتي تتنافس في حمى الارتفاع ، ، إضافة لما يدفعه في المستشفيات واللجوء للقطاع الخاص. فالمواطن يدفع على مأكله وعلى صحته وعلى هوائه وعلى نظره ، ولم يبقى شيئا أو أمرا لا يساهم فيه المواطن بالدفع ؟؟ وهذه المظاهر يجب أن تكون حاضرة لمن يقرر أن يرفع الدعم .
المسألة ليس برفع الدعم عن الخبز فهذا أبسط قرار ، بل إن المشكلة بالتبعات التي لا تتحدث عنها الحكومة وبالذات الفريق الاقتصادي ، والذي قد يكلف ثمنا باهظا نحن بغنى عنه. فالأساس الاستراتيجية المتكاملة التي نحس بها كمواطنين أن جهدا صادقا ونوايا وطنية تقف وراء مثل هذه القرارات ؟ . لا مجرد قرار نطرحه وندافع عنه ونقنع النواب به؟