المغنى حياة الروح حكايات الفن وأهله
27-11-2017 09:44 AM
عمون- نحن نسمع الأغنية، ولا نفكر بها كيف جاءت، وغالباً ما نتغافل عن أسماء كتابها، وحتى ملحنيها، ولا نذكر سوى مغنينها. كما أننا نتلقى الأغنية جاهزة، لا نعرف كيف صارت بهذا اللحن، الذي يبدو لنا أنه لا يمكن أن يكون على صورة أخرى، لا نعرف كيف جاءت الكلمات، وكيف جاء اللحن، ولا يخطر ببالنا السؤال: ماذا لو لحَن هذه الأغنية موسيقارٌ آخر، أيا ترى، هل سيكون اللحن كما هو عند ملحِّنها الأصلي؟ وهل حاولنا أن نُميَّز ألحان الملحنين كما نميِّز بين كلمات الشعراء من خلال أساليبهم؟
مع كتاب الدكتور مازن عميش "المغنى حياة الروح" الصادر مؤخرا عن الآن ناشرون وموزعون، سيطوف القارئ على كواليس كثيرٍ من الأغاني والألحان والكلمات، كيف ولدت، وكيف اعتنى كبار الفنانين باختيار الكلمات، والألحان، وكيف تشكَّل "الزمن الجميل"، من خلال جَدِّ واجتهاد تلك النخبة من الفنانين العظام.
يقول المؤلف عن دوافعه لكتابة هذا الكتاب: "ضمأ الشوق إلى الزمن الجميل، والتّوق إلى الفن الأصيل، هو دافعي للقيام بهذه الرحلة عبر النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد ولادة أساطين اللحن، والكلمة، والصوت في العالم العربي".
ومن الحكايات التي يوردها المؤلف حكاية السيدة أم كلثوم مع أغنية "سلوا كؤوس الطل" إذ يقول: "وذات ليلةٍ، استضاف شوقي أم كلثوم على غيرِ عادة حيث كان عبد الوهاب آنذاك يستحوذ على اهتمام ورعاية شوقي، ولم تكن هي قد اقتربت بعد من أمير الشعراء وكان أن شَدَتْ أم كلثوم في تلك الأمسية وأطربت الحضور بالصوت الأسطوري، والأداء الإعجازي تاركةً شوقي طَرِباً مستهاماً، تغمره النشوة، وتستحثّه مَلَكَتُه، فقام من مجلسه ليحيِّ أم كلثوم رافعاً كأسه التي ارتفعت معها الأنخاب، والذي استجابت له أم كلثوم، التي لم تكن تتعاطى الخمر، بذكاء وسرعة بديهة رافعةً الكأس إلى شفتيها دون أن تحتسي ولو قطرةً واحدة، ما أثار شوقي، وهيّج مكامن الشعر فيه، فانطلق من فوره بعد أن انفضَّ السامر بكتابة قصيدة، مطلعها:
سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها،
واستخبروا الراح هل مسَّتْ ثناياها
وأرسلها في اليوم التالي إلى أم كلثوم، التي احتفظت بها لسنوات قبل أن تغنّيها في أواخر الثلاثينيات عندما عهدت بها للسنباطي بعد أن تدخّل رامي في تعديل البيت الأخير:
يا "أم كلثوم" أيام الهوى ذهبت . .ليصبح:
يا "جارة الأيك " أيام الهوى ذهبت،، كالحلمِ آهاً لأيام الهوى، آها "
ومن حكايات الأغاني، حكاية أغنية "ضي القناديل" التي غناها عبد الحليم حافظ، كتب الدكتور عميش: "في أوائل الستينيّات من القرن الماضي تم الاتفاق على أغنية جديدة يلحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب لفيروز، من كلمات الأخوين رحباني، وهي أغنية "ضو القناديل"، التي أصبحت لاحقاً،"ضي القناديل"، وبعد أن أنجزها عبد الوهاب وأرسلها للرحابنة بقيت تراوح مكانها لأكثر من عام، وهما يتذرعان بشتى الأعذار بمماطلة لم ترُق للموسيقار، وبالرغم من تضارب الأراء حول تردّد فيروز في غنائها، وتذرعها بأن الضي، والليل، والقناديل، وشارع الضّباب، فيها إيحائات لبنات الليل، مما لا يليق بمقامها وسمعتها، إلا أن الحقيقة هي أن الرحابنة أدركوا خطورة هذا اللحن على مملكتهم الرحبانيه، بكوبليهاته الثلاثة، مما يجعلها في تصنيف الأغنية الطويلة، وهو ما لم تكن فيروز تتعامل معه، بالإضافة إلى رهافة اللحن، وانسيابيته، وأليجراتة الراقصة كما في لازمة "تحت القناديل نشكي، والضي العليل يبكي، حكينا، حكينا"، وقفلاته الساحرة، اللحن الذي كان سيأخذ فيروز إلى أبعاد جديدة، خارج النمط الرحباني. وهنا حدثت المفاجأة، عندما تلقف العندليب الأغنية وأدّاها بصوته، لتكون من أجمل أغانيه".
ويستمر الكتاب على هذا النحو يتنقل من حكاية إلى حكاية بكل سلاسة، وبأسلوب سردي، ولغة أدبية شفافة، حتى يضعنا في أجواء عالم الفن، في زمنه الجميل.
يذكر أن الدكتور مازن عميش من مواليد عمّان سنة 1952، تخرج من كلية الحسين سنة 1972، وحصل على شهادة البكالوريوس في الطب في جامعة أثينا في اليونان سنة 1979، والدكتوراة في التخدير والإنعاش سنة 1987 من ذات الجامعة.
عمل طبيبا استشاريا في القطاع الخاص(1991-1999)، ثم انتقل للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة (2000-2012)، ليعود إلى وطنه الأردن، ويعمل مستشار تخدير وإنعاش في مدينة الحسين الطبية وما زال على رأس عمله.
نشرت له مقالات عدة في الصحف المحلية في المجالين الطبي والثقافي.