اتفاق القاهرة هل يشكل فرصة أم تهديدا لإسرائيل
الدكتور موسى الرحامنة
27-11-2017 01:23 AM
منذ أن فرضت حركة حماس سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، فقد بنت إسرائيل استراتيجيتها في التعامل مع ملف الانقسام الفلسطيني من خلال تعزيز هذا الانقسام، وإضعاف طرفيه باتباع أسلوب الحصار الاقتصادي والسياسي في آن معاً. فإسرائيل تؤمن بأن وجود حماس كطرف في معادلة الانقسام السياسي الفلسطيني إنما يخدم مصالحها، فهي تخشى أن يكون البديل أكثر خطورة وأكبر كارثية، فالمرشح الذي تراه إسرائيل لخلافة حماس سيكون من التنظيمات السلفية والجهادية، ذات الارتباط العالمي وبالتالي فهي ترى أن الإطاحة بحماس ربما ايضاً سيفرز فوضى غير خلّاقة تجعل أمن اسرائيل في مهب الريح .
وفي أبجديات إسرائيل الأمنية والاستراتيجية، أن حالة الانقسام الفلسطيني هي ورقة سياسية تلوِّح بها إسرائيل والتي هي جزء من الدعاية التي تستخدمها دوماً في مواجهة أي ضغوط سياسية دولية لفرض حل الدولتين فهي تتذرع بأنها لن تذهب الى التفاوض مع نظامين سياسيين مختلفين، يسيطر كل منهما على منطقة منفصلة، وهذا من شأنه أن يعزز دور الكيان الاسرائيلي وتمنُّعه عن تقديم أي تنازلات .
وترى إسرائيل أن الخدمة المجانية التي يقدمها الخلاف الفلسطيني الفلسطيني وهو ما تسعى الى تغذيته، أن مثل هذا الخلاف سيشغل الفلسطينيين عن مواجهة إسرائيل، وبالتالي تضمن غياب التهديدات المتمثلة عن أي تقارب محتمل بين طرفي المعادلة الفلسطينية .
ولكن السؤال المطروح في هذا السياق لماذا غابت النبرة الاسرائيلية المألوفة التي عهدناها عند أي مقترب او نقطة التقاء فلسطيني فلسطيني ؟
يبدو ان أسرائي قد فاجأها اتفاق المصالحة الذي عقد في القاهرة بين السلطة الوطنية وحركة حماس وجاءت ردة الفعل معتدلة نوعا ما إذا ما قورنت بردة فعلها إزاء اتفاقات 2011 و2014 فقد كانت ردة فعل نتنياهو على اتفاق 2011 ازدرائية أما بخصوص اتفاق تشكيل حكومة الوحدة والاتفاق الوطني الفلسطيني جاء رد نتنياهو حاسماً حين صرّح بأن عباس قد اختار حماس على السلام، فأعلن تجميد كافة الاتصالات الدبلوماسية التي كانت قائمة مع السلطة الفلسطينية.
لقد واكبت ما كتبه العديد من الكتاب الإسرائيليون حول ردة فعل الحكومة الإسرائيلية حيال اتفاق القاهرة ، وأنه قد جاء مختلفاً هذه المرة، فنتنياهو، رفض الدخول في أي نقاش حول الموضوع، بالرغم من الضغوط التي يواجهها داخلياً، بفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، ولكنه صرح في الاجتماع الوزاري المصغر الذي أعقب اتفاق المصالحة بأيام قليلة، بأنه لا يعترف بهذا الاتفاق، ولكنه بذات الوقت، لن يقطع العلاقة مع السلطة الفلسطينية مع تركيزه على تطبيق مقررات الرباعية الدولية .
ثم أن القيادات الاسرائيلية ترى، أن اتفاق المصالحة هذا قد جاء في سياق تبني الإدارة الامريكية للرؤية الأوروبية والعربية المعلنة، بأن السلام مع الفلسطينيين هو استهلال مهم للاستقرار في الشرق الأوسط، حيث تمت المصالحة في إطار التصور الأميركي نحو عقد تسوية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تكون غزة جزءا منه.
ولعل الأسباب التي تُعزى لردة الفعل الاسرائيلية الفاترة هذه المرة قد لخَّصتها صحيفة هآرتس حين ذكرت
أن رئيس الحكومة نتنياهو، لم يتسرع هذه المرة بمهاجمة الاتفاق، واكتفى بإصدار بيان باهت يركز على أن اختبار الاتفاق سيكون بالنتائج على الأرض، وقد أوردت الصحيفة أسباباً ثلاثة للتغير الحاصل في الموقف الإسرائيلي : أولها، الرعاية المصرية للاتفاق بمبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تربطه علاقات أمنية غير مسبوقة مع إسرائيل. والسبب الثاني، يتمثل في الموقف الأميركي من الاتفاق حيث لوحظ غياب أي رد أميركي هجومي على الاتفاق، بل لوحظ أن الإدارة الأميركية تدعم الاتفاق، كما أن المبعوث الأميركي لعملية التسوية في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، كان قد وجه دعوة للسلطة الفلسطينية لتحمل المسؤولية عن قطاع غزة. أما السبب الثالث، فيتمثل في أن المستويين السياسي والأمني الإسرائيلي يريان في عودة السلطة إلى غزة، ولو بشكل جزئي، خدمة للمصالح الأمنية الإسرائيلية، وخطوة على طريق نزع سلاح حماس. وشددت الصحيفة على أن الفهم الإسرائيلي الحالي بأن اتفاق المصالحة يعتبر فرصة وليس تهديداً فقط، هو الأمر الذي دفع إسرائيل إلى عدم العمل على إفشاله هذه المرة.