تتعرض المملكة العربية السعودية الى حملة تشويه غير مسبوقة في وسائل الاعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي على خلفية الاخبار المتواردة عن دورها فيما بات يعرف "بصفقة القرن" وهي خطة السلام التي تنوي الادارة الامريكية تقديمها في نهاية ديسمبر من العام الحالي ،وتشمل بالإضافة الى حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي مقترحا بإقامة سلام اقليمي يشمل الدول العربية السنية المعتدلة.
كما يحاول البعض التشكيك والربط بين مشروع الاصلاحات الداخلية في المملكة وبين دور السعودية في عملية السلام وكذلك دورها في محاولة تشكيل تحالف اقليمي لمواجهة توسع وتغلغل المد الايراني في المنطقة العربية، وبعيدا عن الخوض في الكشف عن الجهات التي تقف خلف هذه الحملات التي تستهدف نزع الشرعية عن اية خطوات قد تقبل عليها المملكة العربية السعودية في الايام القريبة القادمة فانه لابد من وضع الحقائق التالية:
اولا: ان مشروع الاصلاحات الداخلية التي يقودها الامير محمد بن سلمان ليس له اية علاقة اطلاقا بالترتيبات الاقليمية، لا تلك المرتبطة بعملية السلام ولا تلك المرتبطة بمشروع مواجهة ايران ، فالسعودية تحتاج منذ زمن بعيد الى اعادة هيكلة اقتصادها المعتمد على النفط وتنويع مصادر دخلها كما انها بحاجة الى مواجهة التغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي نتيجة التطور التكنولوجي والمعرفي ، لان التغير في البنى والهياكل الاجتماعية والثقافية يستلزم تغييرا في البنى والهياكل القانونية والاقتصادية ، وبالتالي اعادة هندسة المجتمع والدولة السعودية هو متطلب سابق واتخاذ هذه الخطوة وان كانت متأخرة الا انها ضرورة حتمية ولا يمكن فهمها الا من خلال السياق الاجتماعي والتاريخي لتطور الدول والمجتمعات.
ثانيا: محاولة السعودية تشكيل تحالف اقليمي لمواجهة ايران هو جزء من السياسة السعودية للانتقال من Reactive policy الى Proactive policy بمعنى ان سياسة ضبط النفس التي انتهجتها القيادات السعودية السابقة لم تسهم في ردع ايران او حتى اقناع ايران بالتعاون من اجل تبريد ازمات المنطقة بل على العكس اعطت ايران رسالة سلبية استثمرتها لمزيد من التدخل وبسط النفوذ ، وبالتالي كان لابد من المضي بسياسة اكثر حزما تعتمد على بناء تحالف اقليمي مكون من جميع المتضررين من سياسة ايران في المنطقة ، وان كانت اسرائيل احد اولئك المتضررين من سياسة ايران كما هو الحال بالنسبة للأردن والبحرين فإن ذلك لا يمنع من التنسيق والتعاون القائم على اساس مواجهة التهديدات المشتركة على قاعدة عدو عدوي صديقي.
ثالثا: قدمت المملكة العربية السعودية وما تزال اسهامات عظيمة للقضية الفلسطينية وللفلسطينيين على مر تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ، كما كان دعمها للأردن ايضا يندرج تحت الدعم المساند للقضية الفلسطينية، ومن الاجحاف والظلم ان نسمح اليوم بالادعاءات والتضليلات التي تتهم السعودية بتصفية القضية الفلسطينية بحجة ان هناك تقاربا خليجيا اسرائيليا لمواجهة ايران ، هذه حجة واهية وخادعة ومضللة يستخدمها حلفاء ايران ووكلائهم لتعطيل المشروع العربي بقيادة السعودية لمواجهة المشروع الصفوي المجوسي ،والدليل ان التعاون الامني والاستخباري بين مصر واسرائيل في سيناء لمواجهة الارهابيين وكذلك التعاون والتنسيق الاردني الاسرائيلي لمنع تواجد ايران والمليشيات الشيعية التابعة لها في جنوب سوريا وعلى مثلث الحدود الاردنية السورية الاسرائيلية ، لم يكن ليأتي على حساب القضية الفلسطينية ولم تكن اسرائيل لتجني تنازلا واحدا من مصر او الاردن فيما يتعلق بأي من الملفات التفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
واخيرا ، من حق السعودية تشكيل التحالفات الاقليمية التي تراها ضرورية لصد النفوذ الايراني في المنطقة ، ومن حقها علينا ايضا ان نرد لها الجميل وان نقف معها في معركتها ضد خصومها السياسيين في المنطقة العربية وفي مقدمتهم حزب الله ، ومن واجبنا ان نقول ان التقارب الخليجي الاسرائيلي لمواجهة ايران قد يكون رافعة سياسية لتحسين الموقف الفلسطيني التفاوضي خصوصا والموقف العربي عموما.