في الوقت الذي اطلق فيه الشيخ تيسير التميمي ، قاضي قضاة فلسطين ، صرخته المدوية حول الوضع الخطير الذي تعاني منه اساسات المسجد الاقصى ، محذرا من انهيار المسجد ، كان عدد كبير من طلاب احدى الجامعات العربية ينقلون الى المشافي لتلقي العلاج ، بعد التدافع الذي حدث في حفل اقامه مطرب في مدرج ضم 15 الف طالب وطالبة،
وكما ذهبت صرخات النساء والاطفال واليتامى والثكالى والارامل في غزة ادراج الرياح ، فالارجح ان صرخة الشيخ الجليل ، ستضيع وسط التهافت على الحفلات الفنية والتزاحم على شراء ورود الحب في العواصم العربية. وسيترك المسجد الاقصى ، اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ليلاقي مصيره المحتوم وحده دون معين او نصير.
لقد اكتملت فيما يبدو حلقات المؤامرة على المسجد الاقصى ، باعتباره رمزا للوجود العربي والاسلامي في المدينة المقدسة ، ولم يبق سوى تحديد ساعة التنفيذ ، وقد انتهت عمليات الحفر التي لم تتوقف ليلا او نهارا ، طوال السنوات الماضية في محيط الاقصى ، واصبح المسجد معلقا في الهواء ، وقائما على ارض مفرغة تماما. وقد حدثت تشققات في اساسات المسجد ، كما اعلن الشيخ التميمي امس في مؤتمر صحفي. ويراهن المعتدون الصهاينة على امطار قوية او عاصفة هوجاء ، او حتى على نشاط زلزالي لتحقيق المهمة ، اما اذا طال الانتظار فـ"المجانين" موجودون ، ويمكن بالطبع توجيه اللوم لهم او حتى "محاكمتهم" ، ولكن بعد ان يكونوا قد انجزوا ما هو متفق عليه.
ولكن ، هل يمكن ان يجد المتطرفون في اسرائيل ، ظرفا افضل من هذا لتنفيذ مؤامرتهم على الاقصى والقدس والوجود العربي في فلسطين؟ فالجانب العربي مشغول بحروبه الداخلية ، والانقسام هو سيد المشهد العربي ، كما ان الفلسطينيين انفسهم ليسوا احسن حالا ، وما ذكره التاريخ عن داحس والغبراء لا يعدو كونه لهو اطفال بالقياس الى حروب "تقريرالمصير" بين فتح وحماس، اما على الصعيد الشعبي ، فالسواد الاعظم من الناس يصلون الليل بالنهار ، عملا وكدا لتأمين الحد الادنى من الحياة الكريمة لهم ولاطفالهم ، وهم يلهثون من وظيفة الى اخرى ، ولا يجدون الوقت للتفكير في اي شأن عام ، كما ان هناك نفرا ممن لا يحركهم شيء ، مثل الالاف الذين تدافعوا في جامعة عربية (لاحظوا جامعة)، للاستماع الى المطرب الشاب حبيب القلوب.
يضاف الى سلسلة الاخطار الحقيقية المحدقة بالاقصى ، ان "المجانين" الذين يحيكون المؤامرات ضد الوجود العربي في فلسطين ، قد وصلوا الى سدة الحكم في اسرائيل ، فقد افرزت الانتخابات الاخيرة هناك ، واقعا جديدا عنوانه التطرف ورفض الاخر واللجوء الى البطش والقوة ، لتحقيق الاهداف الصهيونية: فقد نجح نتنياهو وليفني وليبرمان ، على خلفية كراهيتهم للعرب واستعدادهم لفعل اي شيء ، لانهاء الواقع العربي في فلسطين.
ستضيع صرختك يا شيخ تيسير في واد ، فالقوم مشغولون بحفلات مطربي الدرجة العاشرة واعياد الحب،. اما البيت فله رب يحميه.
الكاتب الزميل رئيس تحرير يومية الدستور