بعد التسعيرة الاخيرة للمحروقات .. لم يعد احد يصدق
محمد حسن التل
15-02-2009 05:04 AM
مساء الخميس الماضي ، تلقى الشارع الاردني صفعة بسبب التسعيرة الجديدة للمحروقات ، وتزامن الاعلان عن هذه التسعيرة مع الهبوط الحاد لاسعار النفط على المستوى الدولي: وجاءت مخيبة لآمال الاردنيين وزادت من احباطهم ، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي تعصف بهم ، حيث ابقت الحكومة على سعر البنزين كما هو ، ومن المعروف ان الاردني يدفع ضعف الثمن الحقيقي لصفيحة البنزين منذ سنوات طويلة. كما اجرت تنزيلا خجولا لمادتي الديزل والكاز ، وكانت الصدمة الكبرى عندما اعادت رفع سعر اسطوانة الغاز ، والتي لم يمض على تخفيضها الرمزي ، اكثر من شهر واحد. وجاءت هذه الخطوة وسط تبريرات حكومية غير مقنعة: فالناس لم يعودوا يصدقون هذه التبريرات المخجلة ، وعلى الحكومة ان تعلم ان الشعب الاردني ، اكثر الشعوب العربية اتقانا للغة الارقام والتعامل معها ، وبالتالي الكل يعرف ان الحكومة في هذا المجال "تضحك على الناس" ، وحبذا لو انها لم تقدم اي تبرير بعد اي عملية رفع للاسعار ، لان التبريرات تزيد الطين بلة ، وتزيد من عدم الثقة السائدة بينها وبين الناس.. هذه الحكومة التي صفقنا وهتفنا لها ، عندما شعرنا انها تعيش نبض الشارع الاردني وتحاول التخفيف من معاناته وهمومه ، ولكن للاسف تبين ان كل ما فعلته خلال العام المنصرم ، كان عبارة عن حركات دعائية ، حتى تحوز على ثقة الشارع ، ولكن عندما دخلت عامها الثاني ، وهذا يعني في العرف الاردني لعمر الحكومات ان عمرها الافتراضي قد انتهى ، وبالتالي لم يعد يهمها رضى الشارع من قريب او بعيد ، وقد اتضح هذا من تسعيرة المحروقات في هذا الشهر والشهر الماضي ، وتبين ان برق الحكومة في الشهور الماضية ما كان الا "خُلابا"،.
قامت لجنة التسعير الحكومية بخفض سعر لتر الديزل خمسة عشر فلسا وفي المقابل اعادت رفع سعر اسطوانة الغاز 250 فلسا ناهيك عن رفع اجور المواصلات داخل منطقة امانة عمان الكبرى. اي حسبة ظالمة هذه واي نهش يتعرض له دخل المواطن المسكين.
وقد شاء القدر انه بنفس اليوم الذي قدمت الحكومة فيه تسعيرتها الجديدة للمحروقات ، ان تهوي اسعار النفط العالمي الى ما دون الـ 35 دولارا حسب سعر برنت ، فما بالنا بسعر النفط العربي الذي نتعامل نحن به؟ اما قصة رفع اجور النقل داخل حدود امانة عمان: فهي بالفعل مثيرة للسخرية من باب "شر البلية ما يضحك"، اذ هل من المعقول ان تشهد اسعار الديزل انخفاضا ، ونحن نأتي لرفع اجور النقل بحجج واهية لا تقنع احدا ، مثل تذبذب اسعار المحروقات وارتفاع الكلف التشغيلية وما الى هذه الاسباب غير الوجيهة ، التي ادت على حد زعم الجهات المسؤولة الى رفع اجور النقل.
نعتقد ان الاسباب الحقيقية ليست لها علاقة بكل ما سبق ، لكن الرضوخ لمطالب اصحاب شركات النقل الذين يلح معظمهم منذ فترة على هذا الموضوع ، وبالطبع على المواطن ان يتحمل ، وهو ممنوع من الشكوى،.
الحكومة لم تشأ لفرحة الاردنيين ان تكتمل حينما شعروا انهم تخلصوا من تلك الحكومة ، التي لا تهمها حياة الناس اليومية وسبل عيشهم: فتراجعت عن هذا الطريق الذي سلكته في عامها الاول ، لتأخذ دورها في طابور الحكومات ، التي حمد الله الناس على رحيلها.
اننا نقولها بملء الفم ، ان هناك من يحاول العبث بأرزاق الاردنيين وقوتهم ودفء اطفالهم ، دون الاخذ بعين الاعتبار ، ان الامن الاقتصادي للناس هو الجزء الاهم في منظومة الامن الوطني الشامل.
لقد تعب الناس من الضحك عليهم من قبل الحكومات ، حيث تكاد تحولهم الى شعب في معظمه يعاني من ضنك الدين ، حتى يستطيع ان يحيا حياة شبه كريمة ، اذا كان المواطن يدفع ثمن علاجه وثمن تعليم ابنائه واجور مواصلاته ، تُرى.. أليس من حقنا ان نسأل: اين تذهب الحكومات بالاموال العامة التي تجبى من جيوب الناس ، في الوقت الذي تعلن فيه الحكومات عن عجز مالي في قطاع التربية وكذلك الجامعات وفي قطاع الصحة؟. سؤال لا يستطيع احد الاجابة عنه سوى الحكومة ولا احد غيرها.
نعم.. لقد هللنا كما هلل الشارع الاردني لهذه الحكومة ، عندما شعرنا انها تلامس هموم الناس وقضاياهم ، واخذ البعض عليّ يوم الخميس ، كيف اليوم انتقد الحكومة وقد كنت من الذين اشادوا بها في الشهور الماضية ، ولا عيب في ذلك ، فالانجاز يجب ان يشكر صاحبه عليه ، ولكن عندما تختلف الامور: فلا بد من الاشارة الى الخلل. وقد علق بعض الاخوة على مقالي في "الدستور" الخميس الماضي ، وطبعا بعضهم لاذ بأسماء مستعارة ، ومنها ما هو "انثوي" ، ان هذا يدل على تقلب في المواقف.
انا اقول ، ان الكاتب عندما يعطي كل موقف حقه ، يعتبر هذا مؤشرا ايجابيا على السلوك الصحفي السليم ، اضافةاننا تعلمنا ان الولاء المطلق لا يكون الا للدولة وما دون ذلك خاضع لكل نقد او توجيه: مادامت حرية الرأي مكفولة بالحماية الملكية ورغم هذا فما زلت اقول كما يقول غيري ، ان رئيس الحكومة السيد نادر الذهبي ، ما زال في اذهان الناس ، الرجل النظيف الذي يعمل باخلاص ، وعندما ننقد اداء حكومته في الفترة الاخيرة ، فلا يعني هذا انقلابا او "نطنطه" في المواقف ، فبالاصل المواقف تكون اتجاه العمل لا اتجاه الشخص ومن هنا نحن اليوم نؤشر على موقع الخلل لا اكثر ولا اقل ، وتذكير بان الناس قد تعبوا من كثرة الضغط على ارزاقهم وجيوبهم ، وانهم لم يعودوا يصدقون الحكومة بأي تبرير تقدمه لهم بعد كل خطوة تقوم بها ، لا تراعي مصالحهم من خلالها.