هناك عبارة تنسب الى حكيم عربي ان كوب الماء لا تعادله اموال العالم كلها؛ لأن الانسان اذا شقّق الظمأ شفتيه وكانت لديه اموال قارون يموت، ولكي يتخلص من بقايا الماء الذي شربه واعاقه عن ذلك مرض، فلا تنفعه اموال الدنيا وقد يدفعها غير نادم كي يستريح !
وما يتم تداوله الآن في الاقليم والعالم عن شح الماء وحروبه القادمة يستحق مبالاة رسمية وشعبية اكثر مما نسمع، فالعرب شأن غيرهم من الامم هاجروا مرارا ليس بسبب الغزاة او بحثا عن الحرية بل من اجل الكلأ والماء، واذا كان قدرنا التاريخي ان نكون على امتداد الزمان عرضة للغزو وتمدد الامبراطوريات التي سال لعابها على ثغورنا وتخومنا فإن قدرنا الجغرافي هو ان تكون منابع انهارنا من خارج حدودنا، لهذا لم تكن مصادفة ان تنعقد اول قمة عربية من اجل الماء وبالتحديد عن مياه نهر الاردن الذي كان هدفا اسرائيليا كما هو الليطاني والنيل والفرات.
نعرف مثلا ان اكثر من تسعين بالمئة من المصريين يعيشون على اقل من عشرة بالمئة من ارضهم وهي الشريط المحاذي لشاطىء النيل.
والاحصاءات التي تنشر حول الظمأ القادم كارثية وتنذر بحروب وهجرات قد لا تكون مسبوقة، والماء الذي ارتبطت به الحياة عضوا لا يعوضه شيء، فهو اذا شحّ يميت واذا فاض يميت، تماما كالنار التي قليلها يدفىء وكثيرها يحرق!
وما يتخذ من اجراءات عاجلة حول ازمات المياه لا يتناغم مع تفاقم هذه الازمات، وما كان قبل عقود يقبل التأجيل والتواطؤ لم يعد الان كذلك؛ فالدقيقة لها ثمن وكذلك جرعة الماء، وقد بلغ الامر باعداء العرب ان هددوهم بالظمأ عدة مرات، سواء من خلال السدود او اي اسلوب آخر، لهذا فالماء أمن قومي باكثر من امتياز والتثقيف الشعبي حول ترشيد استخدامه والاحاطة بحيثياته اصبح الان ملحا ولا يقبل التأجيل ..
وما قرع من اجراس حتى الان لم يصل رنينه الى الطرشان الذين سيصيحون ذات ظمأ وشيك الماء ... الماء ... الماء!!
الدستور