الخارجية والمعهد .. سيرة ومسيرة
أ.د عمر الحضرمي
25-11-2017 01:32 PM
أيام ليست بالقليلة، عشتها وعدد من الزملاء والزميلات في ذلك المبنى الهادئ الطيب الساكن عند أهداب الدوار الثالث، ثم أنتقل وأهله الى أول طريق المطار .المبنى الذي سكنته قرارات سياسية هائلة ومصيرية، على مستوى الدولة الاردنية، وعلى مستوى الاقليم بل والعالم .
المبنى الذي شهد الآلاف من الاجتماعات والمناقشات والحوارات والبيانات .المبنى الذي قاد العمل فيه مجموعة من الرجال الذين لم يتركوا فرصة إلا واغتنموها في سبيل أن يظل صوت الاردن يتسلق شعاب التحديات حتى وصل الى ناصية العشيرة، لم يتعبوا يوما من التناوش في سبيل أن يقولوا الحق، وأن يحموا الحق، وأن يدافعوا عن الحق، بعد أن قدموا القومي على الذاتي.
لو أنك ولجت أبواب الخارجية قبلا أو الآن ، فإنك ستجد لامحالة شبابا وشابات في مختلف الاعمار، يشغلون مختلف الوظائف التراتبية ، وكلهم يتنافسون في خدمة صناعة القرار السياسي الاردني.
أما اذا ما مررت بإحدى السفارات الاردنية في الخارج فإنك ملاقي زمرا من هؤلاء الشباب والشابات وقد ركنوا جانبا كل اهدافهم الشخصية واحتياجاتهم الذاتية ، في سبيل خدمة الهوى والاحتياج العامين. الاردن ساكن في وجدانهم ، يشاغلونه ويشاغلهم ليل نهار.
لا أعرف شوقا يماثل شوق موظف الخارجية للخارجية، حتى بعد أن يغادرها، تظل هناك حبال من الود والهناء والانتماء تتدلى من سقوف ذواتهم وسماواتها، تحمل حزما من الحنين والشوق والخوف على الخارجية ، تشدهم اليها وهم سعيدون بهذا الحنان.
وعلى ذات التواصل الوجداني والرسمي والوظيفي والمهني يقوم المعهد الدبلوماسي الذي أبى الا أن يكون قريبا من الدوار الثالث ،حيث كانت تسكن الام . وعلى ذكر هذا المعهد استرجعت أياما كان يتولى فيها قيادة الوزارة الاستاذ الدكتور كامل ابو جابر ، الذي استدعاني وأخوين وطلب منا أن نعقد دورات تأهيلية للدبلوماسيين الجدد. بدأنا بإثنين وعشرين ملحقا، تلاهم أحد عشر. ورسمت لهم، بعد أن غادر الزميلان إلى مهام أخرى ،برنامجا كاملا لمدة ستة اشهر لكل مجموعة .
أيام كثيرة مرت الى أن اتخذ قرار إنشاء المعهد الدبلوماسي الذي حمل أمانة التدريب، ليس للدبلوماسيين فقط، ولكن تدريب غيرهم من منتسبي المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية .
ولما أن كانت علاقة مشاركة قد ربطتني بوضع أفكار تأسيس المعهد، فقد سارت في نفسي أشواق الاتصال والتواصل التي ذكرت ، فبقيت على علاقة وجد مع هذا الصرح الرائع ،خاصة وأن هناك ثلة من القامات الدبلوماسية قد تولت رئاسته، انتهت بسعادة السفير لينا عرفات ، التي اطلعت على نشاطها وحرصها الدائمين والدائبين في سبيل النهوض بهذه المهمة التي حملتها بكل اقتدار .
في المعهد الكثير من النشاطات التي اقاماتها واشرفت عليها السفير لينا ، جعلتني احس بالامتنان الكبير لمعالي الوزير السابق الأستاذ ناصر جودة ومعالي الأستاذ أيمن الصفدي (وقبلهما عدد من الوزراء) الذين أحاطوا هذا المعهد بكل رعاية واهتمام، إلى جانب عدد من الأخوة الأمناء العامين، وآخرهم الشاب النشط والمهذب زيد اللوزي، الذين لم يتركوا فرصة إلا واغتنموها في سبيل دعم المعهد ودعم رئاسة المعهد وحماية مسيرته.
وهناك وقفة فيها عودة إلى ما قلت ، عندما كنا ندرس إنشاء المعهد، كلّفت بدراسة تجارب المعاهد الدبلوماسية الأخرى في المحيط وفي الخارج، حيث استطعت حينها أن أشارك في وضع دراسة علمية تركزت على إبراز أهمية وجود مثل هذا المعهد، ليس على مستوى وزارة الخارجية، ولكن على مستوى الدولة، وهذا ما قالته كل قوانين وتشريعات الدول المتحضرة.
شكرا لوزارة الخارجية بمعناها وقيمها وقادتها الذين لم يضطروا البلد إلى مواجهة أي نوع من الاضطراب، بعد أن قادوا المسيرة بكل اقتدار وحكمة، ينهلون من فيوض حكمة القيادة ما جعلهم حاملين راية القرار السياسي الخارجي بكل أنفة وعزة واقتدار ووعي ورشد.
شكرا لوزارة الخارجية بدءا بوزيرها مرورا بكل موظفيها على أنهم أحسنوا قراءة هذا المشهد السياسي الخارجي، وتعاملوا معه بكل مقدرات الموضوعية والجرأة والشجاعة والعدل، فجعلوا من الأردن واحة من الهدوء والمصداقية والرجولة والتضحية.
شكرا وزارة الخارجية، وشكرا معالي الوزير، وشكرا عطوفة الأمين، وشكرا السفير رئيس المعهد لأنكم لم تقصّروا، فبارك الله فيكم.