تمثل الدبلوماسية الأردنية الفذة التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني اقوى الأدوات والمقومات السياسية الفاعلة والمؤثرة التي يمتلكها الأردن في ترسيخ حضوره في الساحتين الإقليمية والدولية وتعزيز شبكة علاقاته الخارجية، بصورة وضعته على خارطة السياسة العالمية ، كأحد أهم المرجعيات التي يعتد بها في فهم وتشخيص ادق تفاصيل الاحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ، واعتمادها من قبل المهتمين في دوائر صنع القرار الدولي كمرجعية موثوقة عند التعاطي مع الملفات الهامة .
ما يعكس حرص هذه الدوائر المؤثرة على الوقوف عند المحطة الاردنية للتزود والاحاطة بكافة هذه التفاصيل للرجوع لها والاستئناس بها عند وضع سياساتها واستراتيجياتها الخاصة بالمنطقة . وليس أدل على ذلك من البداية التي استهل بها الرئيس دونالد ترامب حكمه في لقاء جلالة الملك كأول زعيم في المنطقة بعد تنصيبه رئيسا ، والتي امكن لجلالته تغيير الكثير من الأفكار والسياسات والوعود التي كان يسعى الرئيس ترامب الى تنفيذها على صعيد الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ، والتي لم تكن في صالح الجانب الفلسطيني ، كنقل السفارة الأميركية الى القدس ، ودعم النشاط الاستيطاني .
رغم هذه الحقيقة الساطعة التي تميز الدبلوماسية والسياسة الاردنية ، تجد البعض الذي امتهن السير عكس التيار يصر على افتراض ان هناك احداثا وسيناريوهات بأبعاد مناطقية وإقليمية تجري او يعد لها من وراء الأردن ودون مشاركته ، ويتعاطى معها على انها حقائق مع انه استمدها من مصادر مجهولة او مغرضة ، دون التحقق من صحتها ، حتى انه تحول الى أداة محلية لتمريرها والترويج لها ، كالحديث عما يسمى بصفقة القرن والمصالحة الفلسطينية ، والتفاف بعض الاطراف العربية على دور الأردن في ملفات هامة كالقضية الفلسطينية والقدس وتراجع دور الأردن الإقليمي كما يدعي هذا البعض ، وغير ذلك من الروايات التي لا نعرف لها مصدرا .
بداية لا بد من التذكير بان الأردن يعرف مصالحه جيدا ، فلا يزاود عليه احد . فهو لا يبحث عن أدوار ولا يسعى الى منافسة احد، في ظل ما يمتلكه من دبلوماسية ناجحة ونشطة فرضت حضوره ودوره واحترامه في المنظومة الدولية . فهو مسؤول عن مواقفه ، وليس مسؤولا عن مواقف اطراف أخرى تسعى لركوب الموجة عن طريق عقد الصفقات ، هذا اذا افترضنا صحة هذه التسريبات الاعلامية .
في الوقت الذي يجب ان يدرك فيه هذا البعض تراجع ملف القضية الفلسطينية والقدس على الاجندات العربية والى مراتب متأخرة كثيرا بعد ان تم اشغالها في مشاكلها الداخلية ، في الوقت الذي بقي يحظى فيه بالأولوية على الاجندة الملكية والوطنية ، رغم الظروف والتحديات التي عصفت بالمنطقة ، وانعكست بأثارها السلبية على الأردن ، الذي ظل حريصا ايضا على إبقاء الزخم السياسي لهذا الملف ليبقى في دائرة الاهتمامات والاولويات الدولية.
ومع افتراض صحة ما يشاع ايضا من هذه التسريبات عما يسمى بصفقة القرن ، فان الأردن لن يقبل ان يكون جزءا من هذه الصفقة المؤامرة التي (وحسب ما يروج) ، تعرض على الفلسطينيين حكما ذاتيا او إقامة دولة ليس بالضرورة على حدود 1967 ، مع اسقاط حق العودة ، وبدون القدس ، وبدون اخلاء المستوطنات الإسرائيلية. ما يرفضه الاردن ويتعارض مع موقفه الثابت من القضية الفلسطينية، والذي يطالب بإقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967.
اما الحديث عن المصالحة الفلسطينية ومن بوابة قطاع غزة تحديدا ، فان الجميع يدرك بان القطاع تاريخيا مرتبط بمصر . وان الأردن مستمرا في التنسيق مع اطراف اتفاق المصالحة ، التي تواصلت بدورها مع جلالة الملك ووضعته بصورة هذا الاتفاق . في إشارة الى الأهمية التي توليها للأردن ودوره التاريخي الداعم والمساند للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ، وان جلالته هنأ هذه الأطراف ، واكد على دعمه للمصالحة وبانها تسهم في انهاء الانقسام الفلسطيني ، وتمثل خطوة عملية في تحريك مفاوضات السلام .
واذا ما ذهبنا الى ابعد من ذلك ، فإننا نقول لهذا البعض الذي يغرد خارج السرب الوطني ونذكره ، بتمسك الأردن بمواقفه وثوابته في حادثة السفارة الإسرائيلية من خلال موقفه الصارم برفض اعادة فتح السفارة في عمان على أثر حادثة استشهاد مواطنين أردنيين على يد احد الحراس ، قبل محاكمته وتعاون إسرائيل في هذا المجال وانصياعها للقانون الدولي . وذلك رغم الضغوط التي يتعرض لها .
وعلى صعيد ملف الازمة السورية ، ( الذي أكد الأردن منذ البداية ان لا حل لها الا الحل السياسي وهو ما تسعى له الأطراف الدولية في هذه الأوقات ) ، فقد اثمرت جهود الأردن عن إيجاد قنوات من التعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا ، توجت بتوقيع الاتفاق الثلاثي الأميركي الروسي الأردني حول وقف اطلاق النار في جنوب غرب سورية ، والذي اسهم في تأمين امن الحدود الاردنية وحمايتها من خطر التنظيمات الإرهابية والقوات الإيرانية والميليشيات المسلحة التابعة لها وابعادها عن هذه الحدود .
إضافة الى دور الأجهزة الأمنية والعسكرية الأردنية في حماية امن الوطن وحدوده في ظل ما تحظى به من جهوزية ومهنية وحرفية عالية مشهود لها في الأوساط الأمنية والعسكرية العالمية . الى جانب مشاركة الأردن في مباحثات استانا بصفة مراقب، تقديرا لجهوده في مكافحة الإرهاب، ولدوره المحوري في التعاطي مع قضايا المنطقة، حيث يقف في مقدمة الجهود الدولية الرامية الى محاربة الإرهاب في ظل امتلاكه لقاعدة معلومات وبيانات امنية واستخباراتية عن التنظيمات الإرهابية في المنطقة ، والتي يتم توظيفها من قبل التحالف الدولي تحديدا الذي يشارك به الاردن في مواجهة هذه الافة الخطيرة . وفي الوقت نفسه فانه يرفض ان يزج به في اتون الازمات والحروب التي تعصف بالمنطقة انطلاقا من حرصه على امنه ومصالحه ، وذلك رغم الضغوط التي تمارس عليه ايضا من قبل اطراف عدة .